Thursday, September 30, 2010

شعلة الوسط الديمقراطي


كلما اشتدت رياح الطائفية تذكرتها ، وكلما ضربت صواعق القبلية خفق قلبي فخراً بها ، إنها الحاضنة الحضارية التي رعتنا تحت ظلال شعارها 'ضد كل أشكال التعصب والتمييز' الذي جسده على أرض الواقع آلاف الطلبة المنتمين لأفكار قائمة وطنية ديمقراطية تأسست منذ عام 1974، ومازالت تنشر نورها إلى اليوم، إنها مصنع التعايش السلمي ولسان التسامح الذي يجمع ولا يفرق، يعمر ولا يدمر، إنها باختصار 'قائمة الوسط الديمقراطي'، فهل سمعتم يوما أن أصحاب هذا القائمة وفكرها التقدمي أشعلوا فتنة أو شاركوا في مهاترات طائفية أو قبلية مقيتة؟ لن تجدوا ذلك
قبل أعوام عندما أبلغني أحد الشباب المتحمسين بتأثر شديد، أن 'الوسط الديمقراطي' هبط إلى المركز الرابع، تبسمت في وجهه وقلت ألا تعلم أن بين 'الوسط الديمقراطي' والمركز الرابع أيام الثمانينيات علاقة وطيدة خلقتها مرحلة حرب الخليج الأولى والصحوة 'الإخوانسلفية' الصاعدة على أكتاف حكومات أواخر السبعينيات؟
كان الشارع الكويتي بأغلبه آنذاك للتو بدأ بإعادة اكتشاف الدين على مذهب حسن البنا والسلفية التي هزمت عند أسوار القصر الأحمر ومذهب الولي الفقيه، ولأن الخطأ التاريخي المتمثل في الدستور والديمقراطية قد بلغ مداه في ممارسة دوره الطبيعي في المشاركة السياسية، أدخلنا في غيبوبة الديمقراطية المباشرة وكرامات المجاهدين الأفغان، ووجدنا أنفسنا كدولة وشعب متورطين في هموم الآخرين وحروبهم العبثية ولأن لكل فعل رد فعل فقد حصدنا ولانزال قنابل الخير بعد أن لوثت عقول الناس بالفرقة والعصبية وبالخواء في أحيان كثيرة حتى بتنا ريشة يطيرها كل جاهل أو سفيه
الشاب المتحمس مازال حزيناً فسكبت عليه قليلاً من الأمل: أن الفوز بقيادة اتحاد الطلبة أمل منشود دون شك، ولكنه ظل دوما أقل أهمية من صنع جيل ديمقراطي ينتشر في المجتمع ليواصل عملية ' الدمقرطة '، ألا ترى كيف أن 'الوسطي' الناشط له حضور في المكان الذي يعمل فيه بعد التخرج ولا يجد صعوبة في التأقلم مع الناس على اختلاف مشاربهم كونه عاش تجربة ثرية في الجامعة، صاحبنا بدأ يستعيد نشاطه فأعطيته الجرعة الأخيرة : لم يكن 'الوسط الديمقراطي' بمعزل عن انتعاش الديمقراطية فبمجرد أن استعاد الفكر الوطني الديمقراطي توازنه في الشارع بعد - عبث - تفتيت الدوائر الانتخابية قفز إلى المركز الثاني في انتخابات 85 وبعد التحرير أمسك بالمركز الثاني إلى أن بدأت مرحلة التدهور أواخر التسعينيات
قلت للمتحمس أليس غريباً استمرار هجوم طلبة 'الإخوان المسلمين' على 'الوسط الديمقراطي ' حتى وهو قابع بالمركز الرابع فلماذا؟ إنهم يعرفون خصمهم الحقيقي وهو الفكر المستنير ويدركون خطورة تجاهل وجوده.
في نهاية المطاف تقدمت قائمة 'الوسط الديمقراطي' خطوة صغيرة للأمام وحلت بالمركز الثالث، مؤكدة أنها خير التجمعات الوطنية الديمقراطية في صمودها وحيويتها وقدرتها على تجاوز الخلافات التافهة وتحشيد العناصر المؤمنة بالدستور، لقد علم الصغار الكبار ولانزال نتعلم من مدرستنا الأولى، فهل من جديد يا 'وسط'؟ هل من جديد؟

الفقرة الأخيرة : بسم الله والله أكبر... نفرت الأوراق من رقبة معرض الكتاب، فانطفأ النور من منارته، وسدت الأوراق 'المكرمشة' بقبضة الرقيب شرايين حياته، فدخل فخر الكويت الثقافي في غيبوبة الصحوة، والتف حوله المخلصون يدفعون عنه محاولات نزع أجهزة الإنعاش، فالأمل مازال يحدوهم بأن يصحو من جديد

Tuesday, September 28, 2010

مهرجان : الكتــاب ومقص الإرهاب

عبروا عن رفضكم للرقابة المتعسفة في معرض بحضوركم اليوم مهرجان جمعية الخريجين
الكـــتاب ومقــص الإرهــاب

Thursday, September 23, 2010

صمت السعدون


لدى الدكتور محمد الفيلي وصف بليغ للقوانين والمواد السيئة التي تستخدم وقت الحاجة وهو ' الخلايا النائمة '، فالحكومة بعد أن وقفت متفرجة على ساحة الإرادة وهي تغص بالمتجمهرين منذ ' نبيها خمسة ' مرورا بارحل يا سمو الرئيس، وأخيرا استنكار حرق القرآن الكريم ، وبعد أن خلعت المحكمة الدستورية أنياب قانون التجمعات وجعلته كالعصف المأكول، نشطت الحكومة خلاياها النائمة من قانون الجزاء وقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية لضمان أمن الدولة وسلامة الأفراد ، ففيهما عقوبات بالحبس قد تصل لسنتين لمرتكب جريمة تنظيم ندوة أو تجمع دون إذن، إذاً طالما أن الخلايا متوافرة فلماذا لم تفعل من قبل؟ ولماذا سارعت الحكومة لوضع قانون بديل لقانون التجمعات ما لبثت أن سحبته لوجود 'فيتو' عليه؟ الجواب: زيادة الخير خليتين
إن مفهوم الحكومة لما قد يثير المهاترات الطائفية واسع وفضفاض مثل الكثير من القوانين المكبلة للحريات، وكاتب صحافي يخط رأيا سياسيا لاذعا من الممكن جدا أن يجد نفسه محتجزا في زنزانة واحدة مع عناصر خلية تخريبية لأن فعله السلمي في نظر المنزعجين يتساوى مع طهاة القنابل والمتفجرات ، لذلك ليس من المستغرب أن يرى رئيس الحكومة بالإنابة الشيخ جابر المبارك أن منع الندوات، وحصر الرأي في عشرين شخصا داخل ديوانية، هو إجراء حازم يهدف لمنع وصولنا إلى مرحلة الخطر بغض النظر عن تعارضه مع الدستور أو حساب تداعيات مثل تلك الإجراءات
وأنا كمواطن أشعر بالخوف من توجهات الحكومة في المرحلة القادمة لأن إجراءاتها مرت دون أن نسمع ردة فعل من القوى المدافعة عن الدستور، خصوصا صوت النائب أحمد السعدون، وقبل كل ذلك وجود أغلبية نيابية لا تخجل من النطق نيابة عن الحكومة وتبرير كل أفعالها
الحكومة تظن اليوم أنها كسبت بقرارها سحب جنسية معتوه لندن ، وأول الغيث هو رد النائب محمد هايف الذي قال 'الإجراء غير كاف'، ولا أعرف ماذا يريد الآن من شخص غير كويتي؟ ثم تبعه النائب صالح عاشور الذي قرر تبني ملف مزدوجي الجنسية 'يعني صار عندنا جويهل ثاني'، أما العلة الكبيرة فهي كيفية الموازنة بين مطالب النواب المشغولين بكل القضايا الخلافية على 'اليوتيوب' والنواب الشيعة المتحالفين مع الحكومة على قاعدة 'وحدة بوحدة' لتعويض سمعتهم بين ناخبيهم، وياويل الحكومة إذا أخطأت بربع غرام، واليوم أيضا يظن بعض النواب الدينيين والقبليين أنهم ربحوا هذه الجولة، ولكنهم لم يدركوا أنهم مهدوا الطريق جيدا لسحب 'جناسي' كل المزدوجين وبالقانون الذي طالبوا بتطبيقه، فهل هناك أجمل من الفيلم الفكاهي الذي سينزل إلى دور العرض السياسي قريبا جدا؟
ربما كان الخوف من الاتهام بتأييد معتوه لندن منع الكثيرين من قول كلمة 'أعترض على الإجراءات القهرية التي اتخذتها الحكومة ضد الندوات'، ولكننا لن نخشى من الانحياز للدستور والمادة '44' التي أباحت للأفراد حق الاجتماع دون إذن أو إخطار، ولن نخجل من مطالبة الحكومة بتجفيف منابع الفكر التكفيري ورفع يدها عن منارات الفكر المتسامح ، أما التسليم بأن سحب 'الجناسي' تلبية لمطالب السياسيين سيخمد الفتنة فعذرا ليس هذا هو الحل

الفقرة الأخيرة : لا أعرف لأي درجة من اليأس وصلت إليها النائبة رولا دشتي كي تقترح تغريم من لا يصوّت في الانتخابات 50 دينارا؟

Thursday, September 16, 2010

لنحرق إنجيلهم


تخيلت نفسي أحمل الكتاب المقدس وأتجه صوب ساحة الإرادة ومعي ولاعة و'شوية قاز' وفي الطريق كتبت في صفحتيّ على 'الفيس بوك' و'التويتر' سطرين مفادهما أن العبد لله قرر حرق الإنجيل انتقاماً لجريمة حرق القرآن- التي لم تتم ولله الحمد- والموعد بعد ساعة من لحظة بث الخبر
الوضع كما هو متوقع ، شلل في الشوارع المؤدية إلى ساحة الإرادة ، وإعلان حالة الطوارئ في وزارة الداخلية، وغرفة العمليات ستجتمع بحضور الوزير لمشاهدة الحدث المنتظر على الهواء مباشرة بفضل كاميرا المراقبة المنصوبة في سماء ساحة الإرادة في موقع الحدث وزمانه الموعود الحضور الإعلامي يفوق الخيال فقد حضر فريق كامل من قناة ' فوكس'، وأقامت قناة 'الجزيرة' استوديو تحليل الأخبار استضافت فيه على الهواء من لندن عبدالباري عطوان ومن الكويت طبعاً 'ما غيره' أستاذنا الكبير الدكتور عايد المناع
الجمهور الغفير وجلّه من أعضاء نادي ' الطماشة ' وفيلق من مشجعي نادي بن لادن وخلفي عباس الشعبي ينتظرون بصمت كاتدرائي مشهد حرق الإنجيل ، ولكن هذه اللحظة لم تأتِ ولن تأتي لأن خيالي يتوقف عند هذا الحد المتاخم لحقيقة احترامي لمعتقدات الآخرين مهما كانت

كشفت التجربة المثيرة مع القس الاستعراضي الذي لوَّح بحرق نسخ من القرآن الكريم عن وقائع جديدة في صراع الأديان المزمن، أبرزها أن العالم المسيحي وقف منذ زمن طويل في موقع المدافع عن نفسه تجاه التأكيد على أنه الأكثر تسامحاً، رغم أن مشروع الفعل الشائن أتى من قسّ مغمور لا يتبعه سوى نفر قليل ، ولكن كل رموز الفاتيكان والحكومة الأميركية ومجلس الكنائس العالمي وغيرهم تصدوا لحقيقة أن معتوهاً واحداً يكفي لإشعال حرب دينية، ووجدناهم يرددون نفس ما نقوله عن كون بن لادن لا يمثلنا نحن العرب والمسلمين
الشيء الثاني أن أميركا العلمانية وجدت نفسها كدولة غير أوروبية في مواجهة مربكة مع العالم الإسلامي بسبب القس المغمور أكثر من تدخلها العسكري في أفغانستان والعراق المحسوب لمصالحها ونفوذها، هذا الارتباك تجسد في غلبة خطاب الخوف على مصير قواتها المقاتلة في أفغانستان أكثر من خطاب الاستنكار المجرد لمخطط حرق القرآن، والشيء المحزن أن مغموراً لا يستحق الذكر أظهر مدى هشاشة قدرات النظام الأميركي على حماية معتقدات الآخرين من الإهانة في مقابل روعته في كفالة الحريات الدينية لسكانه لدرجة أن الجالية الإسلامية في أميركا تعيش حالة 'بطر' في اختيار مكان بناء مسجد نيويورك بالقرب من مكان تحطم برجي التجارة العالمي أو أي مكان آخر هذا العجز الأميركي الداخلي يجعلنا نتساءل بعد أن حاولت الإدارة السابقة دس أنفها في المناهج الدراسية للكثير من دول المشرق الإسلامي ، كيف يحق لواشنطن الاعتراض بعد اليوم ماذا نعلم أطفالنا في المدارس وهي تقف متفرجة أمام تهريج من يلعبون بمقدسات الآخرين؟ كيف ستحمي علمانيتها من الانهيار إذا ترك 'المخابيل' يتبادلون حرق الكتب ودور العبادة؟
وعودة على تخيلاتي بداية المقال أؤكد أن شهرتي وأنا أحرق الإنجيل ستغطي على شهرة القس الذي أراد حرق القرآن حتى لو كان الفعل في نفس اللحظة، لأن الإعلام الغربي سيجد خبري مثيراً ومنسجماً مع صورة العربي والمسلم الذي يحرق الأعلام ويقذف الساسة بالأحذية

الفقرة الأخيرة: ردي على نية الحكومة التصدي لمثيري الفتن هو أغنية المطربة نوال 'اصدق في وعدك يوم'

Thursday, September 9, 2010

الفتنة تستنجدنا بحَبَّة فاليوم


الفتنة في الكويت 'غير شكل' فهي تطلب النوم والبعض يحرمها منه، فتنتنا منهكة من السهر القسري والطبول التي تدق فوق رأسها 'بوم... بوم... قومي اشتغلي' حتى في شهر رمضان الكريم لا يتركها الطبالون تستريح ساعة، بل يتناوبون على إيقاظها مرة بسطل ماء بارد ومرة بالصعق الكهربائي حسب اللزوم، وهي ترجونا بعكس كل فتن العالم أن نخلصها من جوقة الطبالين وتستنجدنا بحَبَّة 'فاليوم' أو أكثر كي 'تخمد' للأبد
أيعقل أن يتسبب سفيه مُهمل في قفار الضباب، مفصول عن سياق الحاضر والمستقبل أن يهزنا بحفل هزلي خاض فيه أيسر الطرق لاستثارة مشاعر الغضب لدى جموع الطرف الثاني ألا وهو التجريح واللعن والنيل من شرف أكثر الناس مكانة ومعزة لديهم؟ هل يستحق ذاك الأهوج القابع كحبات الغبار بين أكثر الكتب صفاراً وتطرفاً كل هذه الموجة من الاستنكار والتهديد؟ أم أن هرطقاته خلقت موجة عالية جديدة كي يركبها الساسة والخاسرون في الانتخابات؟
إن الأمور عندما تتشابك لا تجد من يتذكر أصل الحكاية، بالأمس دخلنا نفق التأبين وبعدها بقليل مركز 'وذكّر' وقبل أشهر أزمة تعديل المناهج واليوم متعصب يتطاول على أم المؤمنين السيدة عائشة، والحجج جاهزة الكل يتذرع بتبيان الدين الصحيح والدفاع عن ثوابتنا الإسلامية إلى أن ننزلق شيئاً فشيئاً في متاهة اللاعودة
هل المدعو ياسر حبيب هو المصدر الوحيد للتوتر الطائفي في الكويت؟ أم أنه مجرد 'برغي' صغير في مصانع منتجات البيئة الحاضنة للإرهاب؟ هل تعلمون كم قناة فضائية تردد نفس ما يقوله الأرعن الهارب؟ وكم قناة تبث الخطاب المناهض له مثل قناة 'صفا' الكويتية؟ هل تدركون مخاطر إقحام الجنسية الكويتية كورقة في الصراعات السياسية والفتن الطائفية؟ إنها كارثة لأننا متى ما تركنا هذا السلاح في يد 'وسيعين الصدر'، فسوف يأكل القوي الضعيف ويدوس الظلم كلمة 'لا' وحتى تفهمون أكثر: أنتم تعطون السلطة الحبال التي ستخنقهم بها لاحقاً وبنفس الحجج التي ترددونها اليوم. الطريف أن مشرعينا المتحمسين لا يعرفون الفرق بين سحب وإسقاط الجنسية حتى الآن
هذه القضية من بدايتها لا يراد لها أن تصغر بعد إغلاق نواب كتلة الإصلاح والتنمية وغيرهم طريق المفاوضات، فهم يريدون إسقاط جنسية السفيه وجلبه عبر جهاز الإنتربول وبعد رد الأخير بالرفض لأنه لا يجلب المطلوبين على خلفية قضايا معتقدات دينية وعدم رضوخ الحكومة لمطلب سحب الجنسية تم التهديد بالاستجواب؟ الآن هل الاستجواب حل مثالي لهذه القضية؟ لا أظن لأن الضغط على الحكومة في هذه المرحلة أكثر فائدة من صعود المنصة، خصوصاً أن دور الانعقاد الجديد سيبدأ نهاية أكتوبر القادم، وهو ما يعني أمرين : برودة القضية وتزاحم حساباتها مع الاستجوابات المنتظرة
في الختام هناك نقاط متفجرة بين أصحاب المذاهب في الدين الواحد لن تزول إلا مع قيام الساعة، ونحن جميعاً نعيش على أرض واحدة مليئة بالخيرات الطيبة فليمسك كل منا لسانه قدر المستطاع وليتجاوز كبير العقل عن هفوات صغار العقول، لأن حارقي الأوطان لا يعيشون وسط أناس لا يتفاعلون معهم


الفقرة الأخيرة: أين صوت كتلة العمل الوطني من كل ما يحصل؟ إن أثر الصوت المعتدل في تخفيف الاحتقان مثل السحر... عيدكم مبارك

Thursday, September 2, 2010

يا مصر قولي كفــاية


إن العرب وقضيتهم المحورية المزمنة، القضية الفلسطينية التي وصلت إلى أسوأ فصولها بوجود حكومتين لوطن غير موجود، ليسوا بحاجة إلى خلاف جديد يدخلنا في متاهة تضييع الوقت الذي لن يستفيد منه غير الكيان الصهيوني، هذه المرة العرب مقبلون على موقعة جديدة عنوانها تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي تهيمن عليه مصر منذ تأسيسها قبل 65 عاما ما عدا مرة واحدة لتونس، هناك محور متشدد يدفع لتدوير منصب الأمين العام، مكون من سورية وقطر والجزائر، وموقف مصري أيضا متشدد يعتبر أن منصب الأمين العام هو لمصر إلى الأبد
محور التدوير وجد فرصته التي أتت على طبق من ذهب حين أعلن عمرو موسى اكتفاءه بولايتين في منصب الأمين العام، وما إن استشعرت الخارجية المصرية ذلك التوجه سارع وزير الخارجية بتصريح يخلو من الحصافة السياسية مفاده أن منصب الأمين العام 'كان وسيبقى مصرياً'، وكأن القرار في هذا الشأن هو قرار لمصر وحدها في حين أنه كان بإمكان أحمد أبوالغيط التأكيد على ان مصر تتقلد منصب الأمين العام بقبول عربي كبير، ولكنه على ما يبدو عبّر عن المستوى الذي وصلت إليه الدبلوماسية المصرية
كيف يمكن حسم هذه المعركة في ظل هذا الوضع؟ التاريخ أو الدور الحضاري أو المساحة والكثافة أو النشاط والتأثير الأكبر في الآخرين، المسألة متشابكة لأن أكثر من دولة عربية لديها تاريخ عريض ومساحة شاسعة وتأثير مشهود ليس على الساحة العربية فقط ولكن الدولية أيضاً، فالسعودية حققت قفزة كبيرة على صعيد القضية الفلسطينية بعد توقيع المبادرة العربية الشاملة للسلام مع إسرائيل التي تقدمت فيها لقمة 2002 وقطر من أصغر الدول العربية مساحة ورغم ذلك تمكنت من عقد وساطات مهمة في الأزمة اللبنانية والحرب بين الحوثيين وصنعاء والمشاكل السودانية الداخلية
إن القضية ليست وجاهة أو حتى وسيلة للإمساك بزمام الأمور العربية 'الفالتة'، فالجامعة العربية ليست أكثر من جهاز بيروقراطي يلخص الواقع المؤسساتي العربي، فلو كانت المكونات بالأساس قوية حكيمة ديمقراطية انعكس ذلك على كل شرايين تلك المنظمة أما والحال على ما هو عليه فليس مستغربا أن تكون الجامعة شاحبة جامدة عاجزة
إن مصر أكبر من ان ترد أو تدافع عن مكانتها فهذه مهمة من يعرفون قدرها، وهم كثر ومشكلتها هي فيمن يتاجر بدورها وتاريخها ويظهرها بمظهر الدولة الضعيفة إن هي فرطت بموقعها في جامعة الدول العربية، وهذا الكلام مردود عليه فمصر خلال الحقبة الناصرية لم تكن بحاجة إلى منصب عربي أو مساحة ضعف مساحتها كي تقود العرب من خلفها، وهي إلى اليوم مازالت الخيمة التي يلجأ إليها الفرقاء بعد اكتفائهم من الإبر المخدرة، هذه المكانة تتطلب منها تقدير أرباح وخسائر الحفاظ على منصب الأمين العام، خصوصاً في هذه المرحلة التي لم يعد للعمل العربي أي تقدير أو احترام من دول عربية كثيرة
في الختام أتمنى شخصياً أن تعمل مصر على الدفع بمرشح جديد من دول قريبة منها مثل السعودية أو المغرب انطلاقا من ثلاث حقائق أولاها، أن التدوير فرصة ذهبية لتأكيد أن خلل الجامعة العربية ليس بسبب جنسية أمينها بل في مكان آخر، وثانيتها، أن الجامعة العربية ليست أفضل من الأمم المتحدة كي لا يحصل تغيير في رأسها القيادي، وأخيراً، كون مصر هي دولة المقر فذلك عنوان دائم على أهميتها ومكانتها بين العرب