Thursday, October 18, 2012

قبل السقوط

---

في الخوف الناس هم الناس قديماً وحديثاً، وعند الخوف الممزوج باليأس يميل الناس إلى القبول بأي وضع يضمن لهم الحد الأدنى من الاستقرار، وهم من أجله مستعدون للتضحية بكل الموروثات طالما فقدوا القدرة على الحفاظ عليها
هنالك نوع خاص من الخوف يعرفه أهل الدراية والقراءة، وهو الخوف من المستقبل عندما يتلمسون باكراً مسارات الأحداث ومآلاتها الحتمية، نراهم في نطاقهم يقرعون الأجراس في الأسواق محذرين، عسى أن يتسلل صوتهم إلى آذان الباب العالي أو ينتفع “العامة” بكلامهم، فيحتاطون ويحترزون من قابل الأيام، ولكن التاريخ غالباً ما يذكر أن السلاطين تصلهم رسائل الحكماء منقوعة بحسد الحُجاب و”العامة” المشغولين بقوت يومهم
عندما كانت جحافل المغول تبتلع شمال الصين ومملكة خوارزم وبلاد ما وراء النهر وخراسان وفارس، كان أهل بغداد ودمشق وحلب والقاهرة يعيشون حياتهم الطبيعية، وخليفة المسلمين المستنصر بالله العباسي يداعب الحمام، وتحت تأثير الخوف والوهن ظن المستنصر أن الهدايا والدراهم ستصرف خطر هولاكو عن بلاده، ولكنه أخطأ التقدير ووضع داخل جلد بقر، ويقال لفّ داخل سجادة، وضرب حتى الموت، وبقية القصة الدموية في بغداد وأهلها يعرفها الجميع. الخوف والذعر عم أرجاء بلاد الشام التي لم يكن حال أمرائها الأيوبيين أفضل من خليفتهم المقتول، فبعضهم “تعاون” مع هولاكو، وبعضهم هرب مثل ملك دمشق الناصر يوسف الذي ترك أهلها يواجهون مصيرهم، فما كان منهم “تحت تأثير الخوف” إلا أن سلموا دمشق لهولاكو تجنباً لمصير شبيه بالمجازر التي وقعت في حلب. الخوف هو الخوف هنا وهناك، لا يعرف ديناً أو مذهباً أو أي تصنيف، عندما يختفي العقل وتتحلل أدوات القوة في تطبيق العدل والحزم، تنفرط حبال الدول وتتسع الفراغات التي يطمع الطامحون لملئها، في الأندلس ضحت “الرعية” بثلاثة قرون ويزيد مع بني أمية عندما اشتعلت الفتنة بين أبناء العمومة، يباتون على خليفة ويصحون على جديد جلس مكانه على سرير الخلافة، حتى جاء ذلك اليوم الذي تقاسم فيه الولاة الأقوياء أجزاء الأندلس، وأصبح لكل واحد منهم لقب وديوان وحاشية وجيش خاص. يقول ابن خلدون في المقدمة “إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق”، هنا يستلزم الأمر قليلاً من التأمل، فالتاريخ ليس مجرد سرد لأحداث الأيام الغابرة والشخصيات الراحلة، بل تكمن داخل تفاصيله الكثير من المتشابهات والقوانين التي تنتجها طبائع البشر الثابتة، تختلف الأسماء والأماكن والتفاصيل، ولكن يبقى الجوهر متشابهاً مهما تطاول الزمن وامتد: السلطة، الخوف، السقوط قبل السقوط، الطماعون، المال، المتزلفون، الحكماء، الشجاعة، الواهنون، الأغبياء، المحظوظون، المجد، الخونة، المخلصون… إلخ
الوضع أشبه بحالة من التناسخ التاريخي الذي يحتاج إلى النظر والتحقيق حتى يستفيد الحاضر من الماضي
في الختام عندنا الناس في الكويت خائفون من الحاضر والمستقبل، ولا يريدون غير الاستقرار والعبور من مرحلة “الأصوات” إلى مرحلة “التصويت”، لقد أتينا بآسيا ونمورها وتاريخها الطويل في التحديث والحداثة، وأول درس تعلمناه منهم هو أن الوقت ثمين والدقيقة التي تمضي لا تعود، فإلى متى نحن واقفون؟

Thursday, October 11, 2012

وزن السبعة بسبعة آلاف

المصدر: الجريدة
---
لغة الحوار لا تتعطل بين محترفي السياسة وأصحاب النفس الطويل، وهي مع العقلاء فن وأدب ومع الجهلاء والطارئين حماقة وندم، وفي أزمات متلاحقة كالتي نعيشها منذ سنوات عدة نحن أحوج ما نكون إلى الخطاب المرن الذي يفتح الطريق ولا يغلقه، وإلى الكلمة المدروسة التي تصيب الهدف ولا تدمر معه فئة أو طائفة كاملة
الخبر الذي احتل صدر معظم الصحف المحلية أمس بما فيها “عالم اليوم” هو استقبال سمو أمير البلاد سبعة من النواب السابقين هم عبدالله النيباري ومشاري العنجري ومحمد الصقر وعبدالله الرومي ومشاري العصيمي وعبدالوهاب الهارون وفيصل الشايع، وقد نقل “الوفد السباعي” تمنياته بالإبقاء على نظام التصويت الحالي وعدم تقليص أصوات الناخبين من أربعة إلى صوت واحد خوفاً من تفاقم الأزمة السياسية
تلك المبادرة السياسية الهادئة، وفي هذا الوقت الحرج جداً، يمكن أن نستخلص منها رسائل مهمة عدة أولاها، أن توصيل المطالب إلى القيادة السياسية يمكن أن يتم بطرق عدة، وليس بأسلوب واحد ولهجة واحدة، علما أن معظم أعضاء الوفد السباعي أعلنوا مسبقاً وبشكل علني وصريح رفضهم للصوت الواحد وتعديل نظام التصويت خارج مجلس الأمة، لكن رصيدهم من الرشد وتراكم خبراتهم في الممارسة السياسية أوجد التوازن والمعادلة بين “أسلوب” خطابهم الجماهيري وعدم تدمير كل جسور التواصل مع الأطراف كافة
الرسالة الثانية، وهي جداً عميقة، أن العدد لا يعني بالضرورة “عنصر الحسم” في كل مواجهة سياسية، خصوصاً أن ميزان القوة يميل الآن صوب الحكومة التي تحررت من قيد مجلس الأمة وقيد “ساحة الإرادة” التي انطفأ بريقها بعد أن استهلكت بالتكرار والخطاب الإقصائي. إذن ما العمل؟ وكيف نكسر قواعد اللعبة ونقطع الطريق على مَن يريدون تصفية حساباتهم الشخصية والعنصرية على حساب نظامنا الديمقراطي بأكمله؟ أحد الحلول وليس هو الحل الوحيد، استعمال الوزن السياسي الثقيل والمصداقية العالية لبعض الشخصيات البارزة في إعادة التوازن إلى المشهد السياسي ومن أماكن عدة مختلفة
هذه الطريقة لها تأثير فعال في مجتمع يقدس العلاقات الاجتماعية كالكويت، ومن يدري ربما يوازي وزن الأنفار السبعة وزن سبعة آلاف نفر، المهم أن الهدف يتحقق وهو الدوائر الخمس بأربعة أصوات في أسرع وقت وبأقل الخسائر
الرسالة الثالثة، وهذه في رأيي موجهة إلى معسكر “إن لم تكن معنا فأنت ضدنا حتى لو كان رأيك مثل رأينا”، والإضافة الأخيرة على المقولة الشهيرة ليست من عندي، ولكنها من صنع المعارضة الجديدة التي لا تكتفي بالمواقف المعلنة التي تخدم مواقفها، ولكنها تريد “تخضيع” الجميع تحت لوائها، تلك الرسالة ملخصها أن المعارضة ليست حكراً على أحد والساحة السياسية مفتوحة الأبواب على مدار الساعة، ولكل منّا رأيه وأسلوبه الخاص بلا تخوين أو تهويل، وكما قال حكيمهم النائب السابق خالد السلطان لصحيفة “الوطن” يوم الأحد الماضي 7 أكتوبر 2012، وهو يهاجم من أسماهم ورثة كتلة العمل الوطني “من منعكم من قيادة الحملة الوطنية للإصلاح ومحاربة الفساد… هذا الميدان يا حميدان”، وفعلا “هذا الميدان يا حميدان”، نحن كتيار وطني ديمقراطي نعمل في ميداننا، وخالد السلطان وحسن البنا وجان جاك روسو وتشي غيفارا يعملون في ميادينهم

في الختام لغة الحوار لا تتعطل بين محترفي السياسة وأصحاب النفس الطويل، وهي مع العقلاء فن وأدب ومع الجهلاء والطارئين حماقة وندم، وفي أزمات متلاحقة كالتي نعيشها منذ سنوات عدة نحن أحوج ما نكون إلى الخطاب المرن الذي يفتح الطريق ولا يغلقه، وإلى الكلمة المدروسة التي تصيب الهدف ولا تدمر معه فئة أو طائفة كاملة