Thursday, March 29, 2012

وين المناحة؟

---
الحمد لله… حدثت المعجزة… لم تتوقف عجلة التنمية لأنها لم تتحرك أصلاً، لم يحتل جيش مجلس الأمة قاعدة مجلس الوزراء، الحركة في مجمع الوزراء أكثر من طبيعية، ومبنى الحكومة “مول” يعزف على أوتار الثورة التكنولوجية أجمل الألحان، الشمس أشرقت من المشرق وصوت فيروز أسمعه من نافذة السيارة التي توقفت بجانبي في طابور الزحمة اليومية.مرّ صباح الأمس هادئاً وديعاً، صحافة التهويل وحكم “الصباح” في خطر “بلعت” لسانها مرات عدة، وقنوات البكاء والنحيب على الهيبة و”غير السوباح ما نبي”، أشاحت بوجهها الناضب عن حدث الأمس المهم، وانغمست في مواضيع بعيدة عن مسرحياتها القديمة وسهراتها السياسية الموجهة
مرّ نهار الأمس رائقاً بلا نواح واتصالات من الاستديو المجاور، كرة الشحم لم تتدحرج فوق طاولة “مسح الجوخ” المبرمج، والأغاني الوطنية المفصلة على المقاس الأكبر و”انتصرنا”، لم نسمع منها “كوبليهاً” واحداً، منصة التصريحات النيابية لم تنطلق منها أكاذيب وخيالات البطل الذي سحق خصومه بإصبع قدمه الأصغر من رجله اليمين، ولم نشهد حفل التوقيع على ورقة “منح الثقة” قبل موعد جلسة منح الثقة نفسها، وأخيراً لم تصور لنا الكاميرات أي مسيرة تأييد من مجلس الأمة إلى منزل رئيس الحكومة
مرّ مساء الأمس، لم نشهد وجه الكاتب الكبير “مسعد بلابل”، وهو ينظّر علينا عن مخاطر الغوغائية وكيفية الحفاظ على مرحلة الفساد بحجة حماية الدستور، والسبب معروف: أداة استعملت حتى اهترأت وتم الاستغناء عنها، ساحة الإرادة خلت من حفلات أعياد الميلاد والمبايعة المدفوعة الأجر
لقد مرّ يوم أمس كأي يوم في أي بلد ديمقراطي، نائب قرر استجواب رئيس الوزراء والرئيس بدوره قبل المواجهة في جلسة علنية بدون تأجيل أو إحالة في سابقة هي الأولى في تاريخ الكويت السياسي، وثبت للجميع أن التهييج الإعلامي من قنوات “مدسم الشوارب” هو العامل الأساسي في خلق أجواء التوتر التي رافقت كل استجواب مرّ على الكويت في السنوات الماضية
لقد ضاع من عمر البلد وعمرنا وأعمار أولادنا وقت ثمين لا يقدر اليوم بمال؛ لأن قراءة المشهد السياسي لم تكن بمستوى الطموح، خسرنا مجلس 2008 لأن الرئيس السابق رفض صعود المنصة، وخسرنا مجلس 2009 لأن نفس الرئيس أراد إتمام كل أعماله بسرية حتى انكشف كل شيء وبأي ثمن حتى انهار الوضع بأكمله
اليوم نحن على أعتاب مرحلة جديدة؛ فإما أن تستثمر الأغلبية النيابية الوقت في إنجاز التشريعات الحيوية بالتعاون مع الحكومة، وتتحلى بالقليل من التواضع وعدم اختبار صبر الناس على سوء الأوضاع، وإلا فأبشروا بموجة رد فعل غاضبة ستعيد لنا سلاطين “القبيضة” من جديد، فهي كما أتت بكم ستطيح بكم “فلا طبنا ولا غدا الشر”

Thursday, March 15, 2012

ليتني كنت أولهم

---
يغيب الأحباب فلا نستطيع منع غيابهم، فلكل أجل كتاب، غياب الصديق ثقيل على النفس مؤلم على الروح، فكل صديق يرحل ينزع من روحنا قطعة ويأخذها معه، وحتى يحين موعد رحيلنا لا يبقى من روحنا سوى زفرة أخيرة
قال لي أحد أتباع طائفة الحب المنقى، كنت أصغر أصدقائي لعبنا وكبرنا ومرحنا سوياً وفي كل عام أفجع بواحد منهم، لم يبقَ غيري، ليتني كنت أولهم، أو ثانيهم أو قبل الأخير فما أصعب البقاء وحيداً، قلت له وأين ذهب الأبناء والأحفاد؟ رد والهم يثقل لسانه: الصديق لا يسد مكانه أحدٌ
لقد كرهت الطواف في أحياء كاملة كان لي فيها صديق غاب أو مكان ينكأ مخزون ذكرياتي، لا أدخل الشامية من ناحية حديقة المأمون حتى لا أذكر عبدالله زكريا الأنصاري، لا أمر بقرب نادي خيطان كي لا أذكر أحمد البغدادي، لا أقترب من جمعية “إحياء التراث” في قرطبة كي لا أذكر “أحمد الربعي” ، أما العديلية فأسرع الخطى من حولها فكلها تؤدي إلى ديوان سامي المنيس، القائمة تطول وأكتفي بهذا الوجع
لحسن الحظ لدينا بلد يجتهد في مسح الآثار فكل بيت يكمل الأربعين يهد ويعاد بناؤه، والورثة هم أول من يحمل المعاول، ولدى كبار السن مقولة لا يفهمها الورثة كثيراً هي: بعد موتنا افعلوا ما تشاؤون، هم أي العجائز يحسبونها بالذكريات الجميلة والأرواح التي حلت ثم رحلت والورثة يحسبونها بالدراهم والدنانير، وحدهم من يريدون السير على خطى العجائز يواجهون المصاعب والآلام
أشفق على أصحاب القلوب القاسية ليس لأنهم قساة فهذا شأنهم، ولكني أشفق على من يكتشف منهم أن الحياة قصيرة جداً بعد فوات الأوان، من يجد نفسه يعيش وحيداً في حيز ضيق جدا مع ذكريات قاسية كان فيها هو البطل الذي أتقن فنون الهجر والصد، وكلما حاول رتق خروقاته وسد فجواته نهض في طريقه ما صنعه في عقود طويلة، فيرجع مهزوماً يجر أذيال الخيبة إلى مكان ضيق، فيا لها من أيام صفراء يعيشها ذلك التعيس
الحياة قصيرة مهما طالت، تلك هي الحقيقة المؤلمة، وإن طالت فلا يجملها أكثر من وجود الأصدقاء، ألا تلاحظون معي أن الطاعنين في أعمارهم تدب فيهم الحياة “غير شكل” متى ما اجتمعوا مع أصدقائهم، تمعنوا فيهم جيداً فهم ليسوا أجساداً يكسوها الموت ولكنهم سِير وقصائد قطّع أوصالها الزمن، متى اكتملت أشرقت وأمطرت

أختمها بكلمتين: الحياة قصيرة جداً، أملؤها بالأصدقاء والذكريات الجميلة معهم

Thursday, March 8, 2012

تحشمي يا مره

---
المرأة “مو ساءلة” والرجل “يبرم شواربه أو يحلب لحيته من الفرح”، ذلك هو الوضع السياسي والاجتماعي بعد 2 و14 فبراير الماضيين، فالأول هو يوم ظهور نتائج الانتخابات والثاني هو يوم الولادة المتعسرة للحكومة الجديدة، وإذا كان قرار تغييب المرأة عن المشاركة في مجلس الأمة مقبولاً كونه يمثل إرادة الناخبين، فإنه من غير المفهوم تخلي السلطة عن المرأة من خلال عدم إسناد أي حقيبة وزارية لها، وهي الشريك الأساسي للرجل في التنمية

كرة ثقيلة ألقت بها الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية قبل الأعياد الوطنية في بركة الصمت النسائي والفرح الرجالي عندما نظمت ندوة تتحدث عن أسباب غياب المرأة أو تغييبها كما أراه شخصياً عن البرلمان والحكومة، يومها تحدثت موجهاً كلامي إلى السلطة بأنها شعرت بالخوف من “فرع الغاز” المسمى مجلس الأمة، وفضلت أن تغامر بوجود وزيرين ينتميان إلى حقبة حكومات الفساد على أن تغامر بإشراك ولو امرأة واحدة خشية استثارة حراس الفضيلة وعسس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لقد رفضت بشكل واضح رواية أن السلطة حاولت توزير نساء عدة لكنهن فضلن عدم المشاركة في الحكومة؛ لأنني على يقين من تحليلي الأول، وهو خوف السلطة من “العسس”، ولو كانت هناك جدية رغم صعوبات تشكيل الحكومة الأخيرة، فقد كان بالإمكان تشكيل الحكومة “ناقصة” حقيبة واحدة تستكمل لاحقاً بوزيرة من ذوي الكفاءات ودون وضع أي اعتبار لمعركة رئاسة المجلس كونها محسومة العدد سلفاً

لقد حصرت حقوق المرأة دوماً في إطار حقوقها في المشاركة السياسية، وعندما تحقق أمر تمكينها من التصويت والترشح ووصول أربع نساء إلى المجلس السابق، اعتقد الكثيرون أن قضية المرأة ومساواتها مع الرجل قد انتهت، وجزء كبير من هذا الفهم الخاطئ تتحمله النائبات السابقات- ما عدا أسيل طبعاً- كونهن تخصصن وتفرغن للدفاع عن الحكومة ورئيسها أكثر من استغلال وجودهن في المجلس في دعم وإبراز قضايا المرأة القانونية والاجتماعية، وما زلت أتذكر يوم “كشتت” النائبات الأربع بندوة تدعم دخول المرأة إلى سلك القضاء وتولي منصب وكيلة نيابة رغم توجيه الدعوات إليهن للحضور والمساندة

لقد صمتت المرأة عن أهمية وجودها في البرلمان والحكومة، ربما لأنها لم تجد الفرصة كي تعرف أنها شريك كامل ومؤثر في المجتمع والحكم والتنمية، وكثير منهن اكتشفن أن حقوقهن مهضومة بمقابل الرجل في المحاكم والعمل التجاري والوظيفي، وقد يأتي اليوم الذي ستجد فيه المرأة ملاحقة “بخيزرانة” يمسكها مراهق يقول لها: “تحشمي يا مره” قبل أن تدرك أن صمتها اليوم يعني ضياع الكثير من حقوقها في المستقبل

اليوم الخميس يصادف اليوم العالمي للمرأة وبعض الناشطات قررن التواجد في ساحة الإرادة للمطالبة بحقوق دستورية متكافئة، من هنا أدعو كل من تشعر بالغبن أو تطالب بالمساواة والقوى السياسية والطلابية والاجتماعية كافة التي تزعم أنها تنتمي إلى التيار المدني، كما أدعو بشكل خاص كل قوائم الوسط الديمقراطي في الجامعات والتطبيقي إلى ممارسة دورهم التاريخي في دعم نضال المرأة وحقوقها كافة انطلاقاً من الدستور والمادة الثامنة فيه

الفقرة الأخيرة: للمرأة حق ونضال ومساواة

Thursday, March 1, 2012

فرع الغاز


الهوس الديني الذي أفرز لنا برلماناً يحمل مع كل نقيض نقيضه ومع كل متطرف المضاد الحيوي له، هو نفسه الهوس الذي وجد في أحداث الثورة السورية مادة تستحق التبكير على سلم الأولويات التي اتفق نواب الأغلبية النيابية، مثل إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية وجامعة جابر للعلوم التطبيقية واستقلالية القضاء
وطبيعي جداً بوجود هذا الكم من المجاهدين في سبيل الله والعقيدة والمذهب وسورية والبحرين، وكل قضايا المسلمين حول العالم، فلن نسمع عن قضايا الكويت سوى مشكلة المتشبهين بالنساء وضوابط الحفلات الغنائية
«فرع الغاز» ذلك هو الاسم الذي اخترته لمجلس الأمة الكويتي في هذه المرحلة العصيبة التي أنتجتها سياسات حكومات الفساد المتعاقبة منذ 2006 والتي تفننت في تفكيك مكونات الشعب الكويتي، وتأجيج مشاعر الغضب والكره بين أبنائه، وهبطت بهيبة القانون ومؤسسات الدولة إلى الدرك الأسفل من الانهيار
لقد كان أول تعليق لي بعد أن وقع ما كنت أخشاه في الدائرة الثالثة هو:» لقد أثمرت شجرة المر بعد أن رحل ساقيها»، نعم ذلك هو البعد الذي رآه من تعمقوا في تفاصيل المرحلة السابقة، فلا مال يمكنه أن يصلح الأضرار التي لحقت بجدار هيبة القانون وعمقه، ولا «هَبّات» تلفزيون دولة الكويت أو برامجه تستطيع أن «تبلسم» جراح النفوس التي تباغضت ثم تباعدت. خلاصة القول أن الأمور تسير الآن دون الحاجة إلى ممول أو موجه
فرع الغاز هو صنيعة الضخ الإعلامي الكاذب الذي صوّر و«مَنتج» و«فلفل» للناخب غير المتابع سلسلة من الأباطيل مفادها، أن الحكم في دائرة الخطر ونصوص المذكرة التفسيرية تعدٍّ على المقامات الرفيعة، وأن البدو مظلومون والشيعة مهضومون، والسنّة مآلهم إلى الابتلاع، وأهل المناطق الداخلية سيرحلون إلى أقاليم المستنقعات البعيدة، وأهل بطنها سيباعون كالرقيق في سوق «واجف»، كل ذلك وأكثر، حقن في رؤوس الناخبين، ثم أتتهم الفرصة ليخرجوا ما في نفوسهم من خوف وشجن وكره وغضب وألم في لحظات لا تزيد على دقيقة أو نصف الدقيقة
اليوم يحصد الناخب المرهق من غلاء المعيشة وطول انتظار بيت العمر، المتذمر من خراب الجهاز الإداري وتفشي الفساد فيه، «المتحلطم» من زحمة المرور اليومية، ثمار البذرة التي ألقاها في صندوق الانتخابات بأسرع مما يتوقع، ومن الجلسة الثالثة في عمر مجلس الأمة الجديد تقدمت سورية على القضية الإسكانية، وخصص لها المجاهدون ساعة كاملة للخطب والمزايدات، كما تفرغ النائب عبدالحميد دشتي لتوزيع نسخة من دستور سورية الجديد في تأكيد لنظرية النقيض ونقيضه، وغداً البحرين لأن من حق الأقلية أن تطلب ساعة لمناقشة الأوضاع في البحرين تماماً مثل مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان
في الختام أوجه كلامي إلى المواطن الذي حاله من حالي، قد يذهب مجلس ويأتي آخر وقد ترحل حكومة و»نتدبس» بغيرها، الشيء الوحيد المؤكد هو أن مشاكلنا باقية في مكانها وتمد جذورها في أرض الإهمال، فانظر ماذا فعلت بنفسك وبمستقبل أبنائك؟ كما أوجه كلمة إلى الحراك الشبابي أين أنتم مما يحدث في مجلس الأمة؟ هل الوضع تمام؟

الفقرة الأخيرة: سورية والبحرين هما من ترسمان مسار مجلس الأمة الكويتي، وليس ما تعهد به النواب أمام مرشحيهم أثناء الانتخابات