Sunday, August 12, 2012

عصفور باليد ام عشرة على الشجرة ؟

نشرت القبس اليوم الأحد مقالا مبتورا لأستاذ القانون الدستوري الدكتور محمد الفيلي ننشره هنا كاملا والفقرات الملونة باللون الأحمر هي التي بترت


موضوع عدم دستورية قانون الدوائر لإخلاله الجسيم بمبدأ المساواة في الوزن التصويتي بين الناخبين كان معروفا منذ صدور القانون القائم و الاخلال الجسيم بمبدأ المساواة كان احد مبررات الغاء القانون السابق ايضا . بالرغم من ذلك فان السياسيين لم يكونوا راغبين في جعل هذا الموضوع ورقتهم الاساسية في التعامل معه كما انهم كانوا غير قادرين فكريا على الخروج من عباءة الدوائر الخمس و عشرين
اول محاولة للتعامل مع الموضوع امام القضاء تمت عام 2008 عندما تم الدفع بعدم دستورية قانون الدوائر الانتخابي و ذلك بمناسبة طعن في نتائج الانتخاب ( الطعن 27/2008 ) و قد قررت المحكمة عدم جدية الدفع لأنه اتى بدون تقديم ادلة توضح مخالفة القانون للدستور و معنى ذلك ان المحكمة لو كان امامها دفع مصحوب بسند كافي لكان من الممكن ان تتعامل مع الموضوع انذاك

لم تتم اثارة الموضوع على حد علمنا في انتخابات 2009 و لكنه اثير مرة اخرى بمناسبة انتخابات 2012 و لم تحكم المحكمة في الموضوع لأنه كان امامها مطعن اخر يغنيها عن بحثه خاصة و ان الدفع الدستوري اقرب الى الدفع الاحتياطي لا تتعامل معه المحكمة إلا بعد استنفاذ طرق الطعن الاخرى

و اليوم و بعد صدور حكم المحكمة الدستورية بإبطال انتخابات مجلس الامة الاخيرة اصبح الموضوع محلا للتفكير به بصوت عالي و بالتالي انتقلنا من احتمالية نظرية الى احتمالية واقعية تهدد اي انتخابات مقبلة بالبطلان خاصة وان حق الطعن في موضوع الانتخابات مقرر لكل ناخب مقيد في السجلات الانتخابية في الدائرة التي جرت فيها الانتخابات و لكل مرشح في هذه الانتخابات 

تم اقتراح ثلاثة حلول لمواجهة الموضوع

1
  قيام مجلس 2009 بتعديل قانون الدوائر بما يزيل سبب عدم الدستورية  و هذا الحل يسمح بالتعامل مع الموضوع بأقل تكلفة ممكنة فبعد تعديل القانون لن تكون هناك مشكلة بطلان تواجه المجلس لأنه لم يصدر حكم قضائي يبرر ذلك 
و تعديل القانون ممكن لوجود اغلبية يمكن تجميعها من مختلف الكتل الموجودة في مجلس 2009 حتى لو استبعدنا من تحوم حولهم الشبهات خاصة و اننا امام رئيس حكومة مختلف و هو مقبول من الكتل التي كانت على خصومة مع الرئيس السابق للحكومة 

المشكلة في هذا الحل كانت تتمثل في امرين و هما حاجة إئتلاف اغلبية مجلس 2012 المبطل لقضية مركزية تحفظ للائتلاف تماسكه و القضية محل التركيز هي عدم قبول السماع بمجلس 2009 باعتباره الشر المطلق و اعتقاد هذا الائتلاف ايضا بإمكانية حصوله على رقم اعلى في الانتخابات المقبلة و بالتالى لم يكن العصفور الموجود باليد كافيا مادام هناك عشرة عصافير مضمونة على الشجرة يكفي ان تجرى انتخابات جديدة للحصول عليها . و بالفعل تم الدفع لإفشال هذا الحل و لعل للإفشال اسباب اخرى فبعض السياسيين يتكلم عن فخ تم نصبه لإئتلاف الاغلبية و على كل حال هذا شكل من اشكال نظرية المؤامرة و هو امر يمكن دائما تداوله لعدم امكان نفيه تماما و لعدم امكان اثباته بشكل حاسم ايضا . اذا هذا الحل جيد فنيا و لكنه غير صالح سياسيا نظرا لرفضه من قبل السياسيين لأنه لا يتوافق مع حساباتهم 

2
  التعامل مع الموضوع من خلال المحكمة الدستورية قبل موعد اجراء الانتخابات   هذا الحل فنيا ممكن و مشروع و في غياب الحل الاول يصبح مقبولا لأنه يجنب العملية الانتخابية ابطالا محتملا بشكل جاد و هاجس الابطال الاحتمالي يؤثر سلبيا على العملية الانتخابية ذاتها ، فمن يقبل على المشاركة في انتخابات يعلم انها في الغالب ستكون محلا للبطلان ؟ فشل مجلس الامة في الاجتماع سيجعل تحريك الموضوع بيد الحكومة فقط فالدعوى المباشرة غير متاحة إلا لمجلس الامة و الحكومة فقط . اذا كان لهذا الحل ميزة الحسم و الوضوح فإما ان تحكم المحكمة بسلامة القانون و في هذا حسم و وضوح او ان تحكم المحكمة بعدم دستورية القانون و في هذا ايضا حسم و وضوح . الاثار الجانبية لهذا العلاج هي انفراد الحكومة بالتعامل مع الموضوع . فبطلان القانون يقود الى بطلان تشكيل المجلس و وجوب تنظيم انتخابات مقبلة و يكون التنظيم اما وفق قانون الخمس وعشرين دائرة و هو مصاب بنفس العوار الدستوري او ان تقوم الحكومة بمرسوم بقانون بإعداد نظام جديد للدوائر 
نعم تملك الحكومة إشراك الرأي العام بصياغة الحل و لكن ذلك لن يتم إلا برغبتها و في كل الأحوال يجب أن يتم هذا الأمر بسرعة عالية لوجوب تنظيم الانتخابات بأسرع ما يمكن

3
  تنظيم الانتخابات المقبلة وفق القانون القائم : و في هذه الحالة يترك الامر للناخبين و المرشحين للذهاب الى المحكمة الدستورية لتقديم الطعون الانتخابية
و امام المحكمة يتم تكرار سيناريو 2008 و 2012 مع معالجة الاخطاء التي وردت في دفع 2008 . و فق هذا التصور يلزم على المجلس المقبل ان يسارع في تعديل قانون الدوائر قبل ان تصدر المحكمة الدستورية حكمها في الموضوع و بهذا من الممكن ان تتوجه المحكمة الى الحكم بعدم قبول الطعن لعدم توافر المصلحة فيه لان القانون المطعون في دستوريته لم يعد قائما . و اذا كان في هذا الحل تخلص من الخوف من انفراد الحكومة بوضع القانون و جعل الامر بيد ممثلي الشعب الا ان في هذا الحل عدد من العيوب تجعل الارتكان اليه غير جيد و غير موثوق به

 
اولا لا نعلم بقدرة المجلس المقبل على التعامل مع الموضوع فنحن امام مجهول كما ان التشريع الذي يتم اعداده في هذا الجو غير متوقع سلامته و فوق ذلك فان الانتخابات لن تكون محصنة بشكل كامل لان قولنا بان المحكمة قد لا تقبل الطعن لعدم وجود المصلحة منطلق من القياس على تعامل قاضي الالغاء في القضاء الاداري مع المصلحة في الدعوى و لكن المحكمة الدستورية ، و هي امام مسألة غير مسبوقة ، قد ترجح اعتبارا اخر و هو فعلية تنظيم الانتخاب على اساس مخالف للدستور و تنطلق من هذا الى تقرير عدم سلامة العملية الانتخابية . اذا في هذا الحل مخاطر تجعل النصح بالتوجه اليه غير جيد كما انه قد يقود في النهاية للأثر غير المرغوب به في الحل الثاني و هو ان يأتي القانون الجديد من خلال مرسوم بقانون مع التضحية بانتخابات جديدة فوق ذلك

 
في الوضع الراهن نحن أمام واقع قائم و هو إعلان الحكومة عن توجهها للمحكمة الدستورية و هو إجراء يمكن لمن يشاء أن لا يتفق معها على ملائمته و لكنه بلا شك حق يقرره الدستور وقانون إنشاء المحكمة الدستورية . ما الذي يمكن فعله حاليا على المستوى الشعبي ؟ هناك حلان متصوران

1
  تصعيد الضغط على الحكومة كي تتراجع عن طعنها و تطلب من المحكمة تطبيق إجراءات ترك الخصومة و ذلك قياسا على مسلك الحكومة في مرات سابقة
و في هذا الصدد يعتبر مسلك المحكمة في قبول طلب ترك الخصومة منتقدا من الناحية الفنية لان في هذا مجافاة لحق المجتمع في الاطمئنان على سلامة احترام المشروعية و المجلس الدستوري الفرنسي رفض طلبا بترك الخصومة بعد ان تقدمت إحدى السلطات العامة بطعن في دستورية قانون في طور الصدور و قررت المحكمة ان تقديم الطعن يعني القول بوجود شك في دستورية قانون و يلزم معالجة الامر بحسمه فليس من مصلحة المجتمع ان يظل الجرح مفتوحا كما انه من غير المقبول استخدام القضاء كأداة في المناورة السياسية يتم التلويح به تهديدا ثم يتم العدول عن الطلب لسبب سياسي
و اذا ما تركنا جانبا الموقف المحتمل بالنسبة للمحكمة الدستورية فان الرهان على تنازل الحكومة غير مؤكد كما ان الحكومة في حال قبولها للتنازل من المنطقي ان تطلب مقابلا سياسيا و لا نعلم ما الذي يمكن لائتلاف الاغلبية تقديمه في هذه الحالة


2
  توجيه الضغط ناحية المطالبة بإشراك المجتمع المدني و القوى السياسية كي تساهم في انشاء الحل او تراقب صناعة التشريع الواجب وضعه . و قولنا بالدعوة لمشاركة المجتمع المدني لا يتعارض مع القول بان صاحب الاختصاص هو الحكومة لان التشريع يصدر بمرسوم بقانون . و يمكن الانطلاق في الدعوة لهذا الحل من فكرة الشفافية كمنهج في التعامل مع الامور

 
في التحليل السابق تصورات لحلول اقترحها الكاتب مجتهدا و هو لا يدعي امتلاك الحقيقة و لكنه يعتقد انه قد سعى اليها و الكاتب يعتقد ان الوصول الى الحل الامثل او حتى المعقول يحتاج من السياسيين القدرة على النقد الذاتي فكثير منهم يعيش وهم امتلاك كامل الحقيقة مع الجزم بان الاخرون على ضلال مبين لأنهم لا يرون الحقيقة التي يقول بها و في ظل هذا النمط من التفكير تكثر الاخطاء حتى لو كانت النوايا حسنة

د . محمد الفيلي