Thursday, December 22, 2011

أول قتيل من البدون

---
يوم الاثنين الماضي عايشت في “ساحة الإرادة” تجربة مختلفة وجديدة على صعيد قضية غير محددي الجنسية “البدون”، تعددت الأطراف فيها وإن كانت مقسومة بين طرفين رئيسين: الأول مؤيد لقضية “البدون” والثاني هو وزارة الداخلية التي تفرغت “لتمويت” أي حراك مهما كان نوعه ما عدا تجمعات “الدمى المتحركة” التي تشارك الوزارة في تنظيمها بكل سعادة وسرور
كان العنوان الرئيس الذي جمعنا كأطراف مثل “جمعية الخريجين” و”الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان” و”التيار التقدمي” و”حزب الأمة” و”حركة كافي” ومجاميع شبابية ناشطة في مجال حقوق الإنسان وشخصيات عامة مثل الدكتور غانم النجار، هو التضامن مع قضية “البدون” الإنسانية واستنكار استعمال الحل الأمني مع تجمعاتهم السلمية في تيماء يوم الجمعة الماضي ويوم الاثنين الذي تصادف مع يوم الوقفة التضامنية، وكان كما وصف لنا دامياً
ساحة الإرادة وبفضل حماس وزارة الداخلية لأداء واجبها تحولت ولأول مرة في تاريخها إلى ثكنة عسكرية حقيقية، فقد أغلقت كل المنافذ المؤدية إليها بحواجز معدنية، ولم يترك غير منفذ يتيم لا يعبر منه سوى أصحاب المعالي حاملي البطاقة المدنية من الكويتيين فقط، الحشد الأمني من سيارات الدورية وعناصر الأمن المعلن والمخفي “مبثوثون” في محيط ساحة الإرادة تتقدمهم سيارة النقل التلفزيوني
في طريقي وأنا في السيارة إلى “ساحة الإرادة” أتاني اتصال من الأخت مها البرجس نائبة رئيس “جمعية حقوق الإنسان” تخبرني بأن وزارة الداخلية أغلقت الطريق بوجهنا ثم صمتت لبرهة كأنها تريدني أن أسمع ما يدور بينها وبين رجل الأمن “لو سمحتِ ممكن الإثبات؟”، ردت عليه أنا فلانة ودخلت ولم تعطه أي إثبات، قبل أن أصل إلى المواقف الترابية المقابلة للكنيسة استقبلتني دورية شرطة عند المدخل وكان السؤال “ممكن الإثبات؟”، وهو ما يعني أني سأسأل مرتين هنا وعند مدخل “حضرة” ساحة الإرادة
في داخل ثكنة الإرادة كان المكان غير المكان، فلم أشعر بغير حقيقة أننا نعيش في ديمقراطية منقوصة خاضعة للتحسن أو التراجع حسب أهواء السلطة، فبينما تخرج علينا الجهات المعنية بأن حق التظاهر والتجمع السلمي هو للكويتيين فقط، أتذكر المادة “44″ من الدستور التي نصت على أنه “للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق…”، للأفراد وليس الكويتيين، والمذكرة التفسيرية أكدت هذا الحق للجميع، وقالت “للناس” وليس للكويتيين فقط، وأتذكر قبل أسبوعين تجمعنا من أجل المعتقلين الكويتيين في غوانتنامو أمام ساحة “جمعية حقوق الإنسان”، وكيف منعتنا الداخلية دون وجه حق من وضع الكراسي لكبار السن والمتعبين من الوقوف الطويل، بالمقابل كانت “جمعية حقوق الإنسان” أكثر إنسانية منهم ولم تمنع عناصر الداخلية من استخدام دورة المياه فيها، خلاصة القول التضييق على الجميع
بينما كنا داخل الثكنة وصلنا خبر بأن مجاميع من “البدون” موجودون في الخارج، ومعهم شباب كويتيون رفضوا الدخول بالبطاقة المدنية ومنهم الأخوان خالد الفضالة وعبدالله الشلاحي وبسرعة اتخذ الموجودون القرار وهو الخروج من الثكنة والانضمام إليهم، وإقامة الوقفة التضامنية في المكان الذي يجمعنا كبشر، ويرخصه لنا الدستور، وليس ما تختاره لنا وزارة الداخلية
إن قضية “البدون” وصلت إلى النقطة الحرجة، وهي المواجهة، وكل ما أخشاه هو سقوط أول قتيل منهم بسبب التعامل الأمني الخشن معهم، وليس أمامنا سوى المطالبة بحسم هذا الملف المؤجل بصورة عادلة وإنسانية

Thursday, December 15, 2011

ربيع كويتي خالص

---
من ردد من “أبواق” السلطة الراحلة أن الكويت “غير” وبعيدة عن الربيع العربي أو ربيع التغيير حتى يشمل ذلك المصطلح العربي وغير العربي، كان يقصد عن عمد حصر مفهوم الربيع في إزالة الأنظمة فقط وتشويه صورة كل حراك سياسي مناهض للسلطة الراحلة و”تخوينه” ونعته بالانقلابي
والمتابع لما حدث في المنطقة العربية يلاحظ أن لكل دولة عربية ربيعها الخاص الذي تفردت فيه من المغرب الذي سابق فيه مليكها المطالب الشعبية بإصلاحات دستورية جذرية، مروراً بحفلة ركل زعيم الملايين القذافي، وانتهاءً بالكويت التي رحل فيها رئيس الحكومة وأخذ معه رئيس البرلمان بعد احتقان سياسي مزمن وضغط شعبي متصاعد. إذن ربيع التغيير حمال أوجه وكل ربيع له ظروفه والبيئة التي يستمد منها مقومات تميزه عن الوضع القائم الذي ثار عليه، ومازلت لا أصدق كيف ترك الشعب اليمني سلاحه الأثير في البيت وخرج إلى ساحات التغيير أعزل مكشوف الرأس عاري الصدر مستقبلاً رصاصات القناصة وطعنات “البلاطجة” دون أن تنفجر براكين الثأر والانتقام؟ إنها المعجزة اليمنية
والحالة الكويتية ليست ببعيدة عن المشهد العربي، بل هي المكان الأكثر سخونة “سياسياً” منذ أزمة تعديل الدوائر الانتخابية عام 2006 وما حصل في نهاية المطاف متمثلاً في حل البرلمان للمرة الرابعة خلال خمس سنوات واستقالة الحكومة وتحقق مطلب تغيير رئاستها ليس سوى “جزء” من المطلوب، لأن الأهم هو تغيير النهج السلطوي الذي أرجع الكويت سنوات ضوئية إلى الوراء
المعجزة الكويتية ليست كبقية المعجزات، لكنها كويتية خالصة تمثلت في صعود القوى الشبابية إلى مركز اتخاذ القرار في قيادة الشارع، ليس لأنهم سياسيون مثل غيرهم، وليس لأنهم أدوات في أيدي الحركات السياسية مع يقيني أن بعضهم كذلك، ولكن لأن صوتهم وهم الغالبية التي تشكل هذا المجتمع لا يسمعه أحد، ولأنهم بحكم أعمارهم الصغيرة وطموحاتهم الكبيرة استشرفوا ملامح مستقبلهم المظلم مبكراً والمرهون بأيدي أصحاب قرار لا يعرفون ماذا يعني “تويتر”؟
لقد كان بإمكان الشباب الكويتي الغرق في نعيم الحاضر الزائل، ولكن لا مفر أمامه من الوقوع في جحيم المستقبل، لا سكن لا وظيفة لا راتب لا زواج مستقرا لا تعليم جيدا لأطفاله لا علاج، وألف لا ولا، من هنا استمد الشباب وقوده من رؤيته للمستقبل ومصلحته الشخصية التي هي في مجموعها مستمدة من المصلحة العامة وليس من البرامج السياسية أو كاريزما النواب، تلك هي كلمة السر التي أشعلت الكويت هذا العام تحديداً وليس استجوابات النواب التي حوصرت بحائط صد القبيضة
لقد أضاعت السلطة الراحلة وقتها في كسب من ليسوا أصحاب العلاقة وهم الشباب، أخذت من القوى السياسية وزراءً، أغرقت النواب المزعجين والموالين بالمجاملات، وضعت خطة تنمية لأول مرة منذ عام 1986 ولكنها مثل “بدي البورش على مكينة لادا”، تم نثر الطيب يميناً ويساراً ولم يُجدِ الطيب نفعاً أو تحمير العين الناعسة نتيجة
في الختام لقد رسم الشباب بالخط العريض ملامح المرحلة القادمة لأصحاب القرار، تحالفوا مع مستقبلنا ولن يأتيكم منا إلا الخير والعطاء والانشغال بنهضة الكويت، وغير ذلك سنعود من جديد عند آخر نقطة انتهينا منها وليس من نقطة البداية

Thursday, December 8, 2011

سأغسل عاري

---
لا يمكن أن أبدأ كلماتي هنا قبل أن أرفع لمقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد أسمى آيات الشكر والامتنان على قراره التاريخي حل مجلس الأمة، وقبول استقالة رئيس الوزراء السابق، ذلك القرار الذي نزع فتيل الأزمات المستمرة بين قطاعات واسعة من النواب والمواطنين والمؤسسات الأهلية وبين الحكومة السابعة التي ولدت ميتة
قرار صاحب القرار بإعادة الأمر للأمة، منح الشعب الكويتي طاقة كبيرة من الأمل والانتعاش لتصحيح المسيرة الديمقراطية بعد أن اكتشفوا مبكرا أنهم اختاروا بعض “المرتزقة” والقابضين على أكياس الدراهم الحاتمية، لا يخجلون من مساندة الباطل ولو كان كالشمس الساطعة فوق رؤوسهم، كما أنهم، أي الشعب الكويتي وخاصة من أعلن الولاء والانتماء إلى الدولة ومؤسساتها قبل أي ولاء آخر، وجدوا حقوقهم تهدر، وأموالهم تبعثر، ومستقبل أطفالهم يبدد بسبب حكومة سخرت كل إمكاناتها ووزاراتها لأجل هدف واحد هو بقاء رئيسها لأطول فترة ممكنة في موقعه؛ حتى لو استلزم ذلك التضحية بأقرب المقربين إليه نسباً، وأخلص المخلصين له عملا
لقد أبدعت حكومات ناصر المحمد السبع في سحب عتاة المحايدين سياسيا من دواوينهم إلى ساحة الإرادة، وفي تثقيف قطاعات واسعة من المكتفين بقراءة “مانشيتات” الصحف ثقافة دستورية وقانونية في كيفية “ترحيل” سمو الرئيس من منصبه، وفي دفع من جهلوا مسك “الماوس” طوال حياتهم لافتتاح حسابات في “تويتر” كي يكتبوا كلمة واحدة كل يوم هي “ارحل”
لقد أبدعت، وأكررها ثانية حكومات الرئيس السابق في استفزاز كل فئات الشعب من جراء سياساته الإعلامية في ضرب أصول الناس والتشكيك في ولاءاتهم وتحالفاتة المضرة، كما قلت في مقالات سابقة، مع “الأرخص” في كل شيء؛ حتى أوصلنا إلى مرحلة توتر علاقاتنا مع أقرب الدول الشقيقة والحليفة لنا
إن الوعي بضرورة التغيير للأفضل برئاسة جديدة ونهج إصلاحي وبرلمان جديدين بدأ ككل الأشياء صغيراً حتى بلغنا مرحلة ضرب الناس، وسحل الأكاديميين، وانتهاك حرمات المنازل، وقتل الأبرياء وتشويه سمعتهم ورعاية الفساد والمفسدين، وتمكين “أرذل” الأدوات من وثائق الدولة ، وأسرار خلق الله في حرب تصفية الخصوم، وأخيراً افتضاح سيرة الكرم و”تدسيم الشوارب والحجابات”، الأمر الذي أدى إلى أن تتخلى بقية الأطراف المحايدة عن صمتها الأسطوري وصوتها الثالث، وتطلق رصاصة الرحمة على جسد الحكومة المحتضرة التي ربطت مصيرها بمصير مستقبل الكويت، فإما هي وإما الكويت
إن المشهد العام أكبر بكثير من حل مجلس أو ترحيل رئيس لأن مكمن العلة موجود في مكان آخر هو الأسرة الحاكمة، وبعض أطرافها الذين يتطاحنون بأموالهم أو ربما بأموالنا وآلاتهم الإعلامية ودماهم “من الدمى” السياسية، ونحن كشعب ووطن نعيش تحت هذا القصف المتواصل، وما سعدوننا ومسلمنا وفيصلنا وحربشنا وغيرهم سوى نواب أقصى ما لديهم لسانهم واستجوابهم وساحة الإرادة، يأتون بالانتخابات ويذهبون بالحل أو بالإعفاء الشعبي من مهامهم، فمن أين يأتي الخلل الأكبر؟ والغوغائية المستترة؟ إنها في مكمن العلة
في الختام أعود من جديد لشكر شيخنا العود، شكرا يا صاحب السمو ألف مرة، لقد منحتني فرصة مبكرة كي أمحو عاري في الدائرة الثالثة، وأعدك بأن أحسن الاختيار هذه المرة كي تحظى الكويت بفرصة جديد للنهوض، ولكي أمنح أطفالي مستقبلا أفضل من حاضر أبيهم إبراهيم، وماضي جدهم الكبير النوخذة إبراهيم المليفي