Tuesday, March 16, 2010

دراسة للفيلي ننشرها كاملة

نشر الدكتور محمد الفيلي دراسة بعنوان المواطنة والقانون قبل يومين في احدى الصحف وقد خصنا بها كي ننشرها كاملة بعد أن وجد غياب فقرات كاملة وهامة منها وقد ظللت باللون الأحمر

---
المواطنة والقانون
لفظ المواطنة بالمفهوم اللغوي يقود إلى معنيين ؛ التوطن في مكان والارتباط بالشيئ والقبول به ولذلك يقولون وطن نفسه أي جعلها تألف وتقبل أمراً . وإذا ما تركنا المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي فإن المواطنة يتم التعامل معها بحسبانها رابطة قانونية بين فرد من الأفراد ودولة من الدول وهذه الرابطة ترتبت عليه حقوقاً في مواجهة الدولة وترتب للدولة حقوقاً في مواجهته ، إذاً المواطنة بهذا المعنى تعني " الجنسية " . والمشتغليين بالدراسات الاجتماعية والباحثين في موضوع التنمية والدراسات الدستورية يقفون عند زاوية أخرى لمفهوم المواطنة ، فالمواطنة ارتباط الأفراد بالدولة أو بالكيان السياسي على نحو يجعل مصالحهم متوحدة بالجماعة فيستشعرون مصلحتهم مرتبطة بمصلحتها بما يقودهم للمساهمة طوعياً في نجاحها . والأستاذ هوريو يعبر عن هذه الفكرة بقولة أن المواطنة حالة إرادية ، وهو ما يجعل البعض يفرق بين المواطنين والرعايا . وقد يستنتج البعض أن صلة القانون بالمواطنة تأتي من زاوية ترتيب موضوع الجنسية والتي عبرنا عنها بالرابطة القانونية بين الفرد والدولة ، وفيما نعتقد أن موضوع الجنسية أحد صور العلاقة بين الموضوعين ولكن هناك زوايا أخرى للمسألة ، فالقانون لا يتصور وجودة إلا في طار الدولة ـ إذا استثنيا موضوع القانون الدولي ـ والدولة لا يتحقق وجودها إلا باكتمال عناصرها الثلاث ؛ الإقليم ووجود نظام سياسي للحكم والمواطنين ، والقانون أيضاً مهم لتنظيم حقوق المواطن على الوطن وحقوق الوطن على المواطن . أما عن جانب الانتماء بالمعنى العاطفي فإننا نجد في النصوص القانونية اعتناءً بالموضوع مما يدل على أهميته ، فالدستور وهو أعلى القوانين مرتبة ، يعتبر أن حب الوطن عنصر من عناصر مقومات المجتمع الكويتي ويدخل هذا المفهوم ـ حب الوطن ـ في ثنايا مقومات الأسرة ( م 9 ) ، كما أن للأموال العامة حرمة وهو ما يجعل حمايتها واجب على كل مواطن ( م 17) ، والوظائف العامة خدمة وطنية ( م 26) ، وسلامة الوطن أمانة في عنق كل مواطن ( م 156). والعرض السابق يجعلنا نخلص أن بين القانون والمواطنة أوجه متعددة من العلاقة ، وهذا التعدد يجعل البحث معقداً والعرض مطولاً يشتت الأفكار، ولذلك فإننا نقترح فكرة رئيسة تصلح أن تكون فرضية ينطلق منها الباحث وخطاً أساسياً يقود الحوار، وهي هل للقانون دور في ترسيخ قيم المواطنة ؟ وكيف يمكنه أن يقوم بهذا الدور ؟ ونعتقد بأن السؤالين السابقين يحملان في ثناياهما فرضية وهي أن هناك تحديات تواجه المواطنة أو تنافسها، وعلى المواطنة مواجهة هذه التحديات ؛ إذا علينا أن نناقش الموضوع أولاً من هذه الزاوية ، مبتدئين بتحديد عناصر هذه الفرضية . وهذه العناصر كما تطرح الآن هي الأطر المجاورة للمواطنة وتحديداً القبيلة والانتماء العقائدي 

ومن بعد بحث الموضوع من هذه الزاوية نعرض لفرضية أخرى وهي أن المساواة بين المواطنين تقوي المواطنة



أولاً : الأطر المجاورة للمواطنة

القول بأن الإنسان مدني بطبيعة يعني أنه يحتاج إلى إطار اجتماعي يوجد فيه وهذا الإطار لازم للإنسان لأنه يشبع لديه حاجات متعددة سواء كانت نفسية أو مادية أو فكرية اعتقاديه فهو عضو في جماعات متعددة في واقع الحال ، فجماعة العمل توجد إلي جوار جماعة العقيدة وإلي جوارها توجد جماعة الأسرة أو جماعة الحي الذي يسكن فيه . وينتج عن العضوية في أي جماعة من الجماعات قدر من الانتماء كما أن العضوية في أي جماعة تحقق مصلحة من المصالح ، والانتماء إلى هذه الجماعات لا يتعارض بطبيعتة مع الانتماء للوطن ، ومع ذلك فإن بعض هذه الجماعات ، وفي فرضيات معينة ، قد تشكل منافسة ، من حيث طبيعة الانتماء ، مع الانتماء للوطن . هل هذه الفرضية صحيحة ؟ ولماذا ؟ نعرض لموضوع القبيلة والدين أو الاعتقاد الديني باعتبارهما شكلين من أشكال الانتماء التي ينظر لها باعتبارها متداخلة مع فكرة الانتماء الوطني . وأهمية الموضوعين بالنسبة للدولة ـ وهي إطار المواطنة ـ راجعة إلي حقيقة إضافية وهي أنهما لا يتطابقان مع الدولة في إطارها الجغرافي ، فالقبيلة قد توجد في إطار دولة واحدة وقد توجد في إطار دول متعددة وكذلك الدين

1) القبيلة : قبل نشأة الدولة ككيان سياسي ، ينفرد بتقديم الحماية للأفراد في إطاره ويلتزم بإشباع عدد من الحاجات بوصفها حاجات عامة ، كان للقبيلة في عدد من مناطق العالم دور مهم في حماية الفرد واشباع كثير من حاجاته ، وفي بعض المناطق ذات الظروف الصعبة لم يكن للفرد خيار آخر غير الإنتماء لقبيلة ، فإن لم يكن ، في المنطقة التي هو فيها ، عضواً في قبيلة فإنه " يلفي " إلي قبيلة . والأهمية العالية للقبيلة كانت تدفع أحياناً لتكوينها نتيجة للتحالف ، إذا لم يكن هناك إطار جاهز لتكوينها وهو اعتقاد الأنتماء إلى أصل مشترك . وبعد نشأة الدولة كان من المنطقي أن تقوم الدولة بعدد من الوظائف التي كانت تقوم بها القبيلة فحماية الأفراد ووضع النظم وتطبيقها أصبح من وظيفة الدولة ، وبقي للقبيلة دور اجتماعي وثقافي . وإذا كان هذا التحول منطقياً إلا أننا نجد في بعض الأحيان استمرار للدور القديم للقبيلة ، ومن صور ذلك رجوع الأفراد لها للحصول على الحماية وقبولهم بالقواعد التنظيمية التي تقررها ، وهي في ذلك تنافس الدولة في بعض وظائفها ، فقانون القبيلة يصبح مقدم على قانون الدولة . ونعتقد أن هناك عددا من الأسباب تفسر هذه الظاهرة



أ ـ أحساس الأفراد أن مؤسسات الدولة لا توفر لهم الحماية المطلوبة أو لا توفرها لهم بنفس الدرجة التي توفرها للأخرين ، ولذلك ينكفئون للإطار القديم .

ب ـ تقوية الدولة للقبيلة وأناطة عدد من الإدوار المتوجب عليها القيام بها بالقبيلة ، وتلجأ الدولة لهذا الحل عند إحساسها بأن مؤسساتها غير قادرة على القيام بالدور المطلوب ، أو أن التعامل مع مؤسسة القبيلة على هذا النحو يسهل قدرتها على السيطرة على مقاليد الأمور، لأن الحل الآخر وهو التعامل مباشرة مع كل المواطنين، يستلزم أن يتوافر لجهاز الحكم فيها قدرة عالية على الإقناع بينما التعامل مع القبيلة يجعل أمامها عدد قليل من الأفراد تقوم باقناعهم وهم يلتزمون بتوجيه الأفراد المنتمين للقبيلة .

جـ ـ حداثة الدولة كمؤسسة ، في بعض مناطق العالم ، تجعل الإعتقاد بفاعليتها لتوفير الحاجات المطلوبة للأفراد أقل مقارنة بالقبيلة وهي المؤسسة التي اعتادو عليها، خاصة وأنها أقرب لهم في حياتهم اليومية .

ونحن نعتقد أن توافر واحد أو أكثر من الأسباب السابقة يجعل على الدولة التزاماً جدياً بالإلتفات للموضوع ، كما نعتقد أن التجاء الدولة للقبيلة يوفر منافع لمن يمارس الحكم في الدولة على المستوي القريب ،على حساب فكرة استمرارية الدولة التي ترتبط بالمواطنة فقط .

ونحن نكرر أن التحليل السابق ينصرف فقط إلى الدور السياسي والإداري للقبيلة أما الانتماء الاجتماعي فهو لا يخالف القانون في شيء ، كما نعتقد أن المسئول الحقيقي عن امتداد الدور السياسي للقبيلة هو الدولة ، لأن الفرد " المواطن " يحتاج دائماً لاشتباع حاجاته ، والطبيعة تكرة الفراغ فإن لم تقم الدولة بهذه الوظيفة فلا يلام الفرد أن بحث عن إطار آخر ، ومن كانت له حيلة فليحتال. والتحليل الذي قدمناه لايقتصر على القبيلة فقط فهو ينصرف في واقع الحال ايضا الى الاطر الاجتماعية الاخرى مثل الجذور الجغرافية لبعض السكان او حتى الانتماء لطائفة او اجتهاد ديني .

2 ـ الدين : حرية الاعتقاد حق مطلق للأفراد ، وممارسة شعائر العقائد وإن كانت في بعض حالاتها فردية ، إلا أن اغلب العقائد الدينية التي نعرفها تجمع الأفراد أثناء ممارسة شعائر العبادة . وهو ما يوحي بأن جزاً من فكرة العقيدة هو خلق " جماعة المؤمنين " وليس في ذلك ضير مادامت ممارسةالاعتقاد لا تقود إلى العدوان على أصحاب الاعتقادات الأخرى .

وفي تنظيم العلاقة بين الدين والدولة ـ ونذكر بأنها الإطار القانوني للمواطنة ـ مناهج قانونية متعددة ، وما أخذ به الدستورالكويتي هو الإقرار بدور للدين في الدولة من خلال مظاهر متعددة ، فهناك دين للدولة وهو الإسلام . والإسلام ، بمعنى الفقه وليس كل الشريعة الإسلامية ـ مصدر رئيسي للتشريع ، وفي هذه الجزئية نلاحظ أن مشروع الحكومة كان يقرر بأنه " هو المصدر الرئيسي للتشريع "

ومن مطالعة نصوص المذكرة التفسيرية للدستور ، نلاحظ بأن الاعتقادات والعبادات لم يتم إيرادها في الخطاب الرسمي ، كما أن الأعمال التحضيرية للدستور تؤكد بأن النص لا ينصرف لمذهب من المذاهب الإسلامية ، تاركاً للمشرع اختيار الإجهاد الفقهي الأكثر ملائمة للناس . وفي هذا الصدر فإن المحكمة الدستورية في الكويت تؤكد ـ في أكثر من حكم ـ بأن الخطاب الوارد في الدستور خاص بالمشرع العادي فليس لغيره أن يستنبط قواعد قانونية من أحكام الشريعة الإسلامية وهو في استنباطه ملزم باحترام بقية أحكام الدستور . والتوضيحات السابقة مهمة في موضوعنا ، فالدستور لا يرسم للمواطنة إطاراً دينياً ولكنه يقرر للمشرع أن الدين الإسلامي مصدر مهم من مصادر التشريع في حدود احترام الدستور ، وهذا المسلك مقبول من قبل المشرع الدستوري لقناعته بأن الغالبية العظمي من المواطنين مسلمين ولإعتقادة ، وقد كشفت الأعمال التحضيرية عن ذلك ، بأن الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة لا تتعارض مع مقتضيات الدولة الحديثة بمعنى الدولة التي تبنى على المواطنة وتحترم حقوق الإنسان
إذاً نخلص من العرض السابق إلى النظام القانوني لدولة الكويت لا يري في الانتماء لقبيلة او لفئة اجتماعية أو لدين ما يشكل ، بذاته ، تهديداً لفكرة المواطنة وكل ذلك لأن الدين كدين أو القبيلة كقبيلة ،وهي المثال الابرز للفئة الاجتماعية ،لا تشكل إطاراً بديلاً للدولة بالنسبة للمواطن ، فالقبيلة إطار اجتماعي وبهذا المعنى فالقانون يكفل للمواطن الانتماء للإطار الاجتماعي الذي يرغب فيه خاصة وأن القبيلة يمكن وجود صلة لها بمؤسسة يقررها الدستور وهي الأسرة ، فيمكن وضعها في إطار الأسرة الممتدة من باب التوسع في التفسير. أما الدين فهو لا يؤثر في المواطنة ـ فحرية الاعتقاد مطلقة ـ إلا من باب التشريع الذي تقرره السلطة التشريعية ، وبشرط عدم مخالفة هذا التشريع للدستور . وقد يسأل سائل وماذا لو أن الدين أو القبيلة دخل إلى التشريع من خلال تحوله إلى برنامج سياسي أو مشروع سياسي . وهذا السؤال مهم من الناحية العملية لأنه حتى في حال عدم وجود الأحزاب السياسية المنظمة إلا أن هناك أحزابا سياسية فعلية .

نحن نعتقد بعدم جواز ذلك من الناحية الدستورية لسببين

1ـ الدستور الكويتي يربط عملية الانتخاب السياسي بالمواطنة فقط ، فالسيادة للامة و هي مكونة من المواطنين . أما الدين والقبيلة فهي أطر قائمة علي الاعتقاد الديني أو الإحساس بالانتماء لإطار اجتماعي ولا يتطابق الإطاران بالمواطنة كما أن الدستور لا يربط المواطنة بهما .

2ـ التنظيم السياسي هو في حقيقته اجتماع أشخاص حول فكرة أو قناعة وبالتالي هو محكوم بالقواعد التي يقررها الدستور للجمعيات كما وردت في المادة 43 من الدستور ، والدستور يقرر في هذا الصدد أن الجمعية يجب أن تقوم على أسس وطنية كما أنها محكومة بمبدأ طوعية الانضمام . والوطنية مرتبطة بالانتماء للوطن ، وطوعية الاختيار لا تتناسب مع القبيلة لأنها إطار اجتماعي مغلق حالياً ، كما أن تغيير الدين أو الاعتقاد الديني في الغالب الأعم من الأحوال غير متصور لأن الفرد في الأصل لا يختار ديناً أو مذهباً دينيا ولكنه ، في الواقع ، يرثه

والمشرع العادي ، في قانون الانتخاب ، ينطلق في تنظيم الانتخاب من المعاني السابقة ، فيحمي عملية الانتخاب من المؤثرات الأخرى ، أو كما تعبر المحكمة الدستورية ، كي تأتي الانتخابات فتعكس إرادة المواطنين وتكون وسيلتهم في ممارسة السيادة ، ولذلك فإن قانون الانتخاب في المادة( 45 ) يجرم الانتخابات الفرعية كما يجرم استخدام دور العلم أو العبادة للتأثير على إرادة الناخبين . والخلط بين الانتخابت الفرعية التي يجرمها القانون والانتخابات الاولية التي تجريها بعض الاحزاب لتنظيم صفوفها ، ينطوي على تجاهل لطبيعة الموضوع فالحزب السياسي هو اجتماع افراد حول برنامج سياسي ينصرف للمواطنين في الدولة ، يمكن لمن يشاء منهم الدخول فيه او الخروج منه ، اما جماعة القبيلة او الدين فهي مغلقة لايمكن الدخول فيها او الخروج منها بإرادة الفرد ، وكل من الدين او القبيلة لايتطابق مع الاطار الاقليمي للدولة

وقد رأينا في ما سبق بأن الإشكالية الأكبر ، في إطاري القبيلة والدين ، في منافسة المواطنة ، تتحقق عندما لا تحسن الدولة الالتزام بدورها أو بتطبيق القانون. فهل هذا الفشل راجع لعدم وضوح مبدأً المساواة ؟ أو لعدم فعليته ؟ يلزم أن نعرض للمبدأ قبل الإجابة .
ثانياً : مبدأ المساواة

هناك ارتباط بين ثلاثة مفاهيم هي المساواة والمواطنة والسيادة سواء كانت للأمة أو للشعب
فمبدأ السيادة للأمة أو للشعب ـ وهو أساس الديمقراطية ـ لا يستقيم إلا باعتبار أن المكونين للأمة متساون في امتلاكهم للسيادة ، والمكونين للأمة هم المواطنون . وإذا كانت المساواة ، كقيمة مجردة ، مرتبط بمفهوم العدل إلى درجة أنه قد قيل بأنه جور بالسوية عدل بالرعية ، فإن المساواة التي تنطلق منها النظم الدستورية تسير في منحنيين محددين وهما المساواة أمام القانون والمساواة بالقانون . وإذا كان القانون يجمع بين نوعي المساواة فإن دوره فيهما مختلف .

  ـ المساواة أمام القانون

ظهور هذا المفهوم ، على النحو الذي نتعامل معه الآن ، مرتبط بنهاية مرحلة الإقطاع في أوربا وظهور النظرية الفردية التي صاحبت انتشار الصناعة والتجارة. وقد كان المركز القانوني للفرد مرتبط بواقعة ميلاده ليس له منها فكاك ، ولم يكن للفرد اعتراف بحقوق وحريات مقررة له بشكل متساوي مع الآخرين . ولما كانت الأنشطة الجديدة تعتمد على المبادرات الفردية دون النظر إلى المجموعة التي ينتمي لها الفرد ، إذا لزم أعلاء الإرادة الفردية كمصدر للقرارات ، ولزم أن يعتد بهذه الإرادة لمجرد صدورها عن الفرد دون ربطها بأصلة أو تحديد مركزه القانوني ربطاً بعناصر الأصل . بالتأكيد هناك أسباب أخرى لانطلاق المذهب الفردي ولكن التحول الاقتصادي واحد من أبز التفسيرات في الموضوع . والمساواة أمام القانون مبدأ عام ومع ذلك فإننا نجد أن ثلاث تطبيقات لهذا المفهوم قد تم التركيز عليها وهي المساواة أمام الأعباء العامة والمساواة أمام الوظائف العامة ومبدأ عمومية الانتخاب .

 
اـ عمومية الانتخاب :

عند بدء انتشار الديمقراطية كأسلوب في الحكم ، كان هناك تأثر بتراث الماضي ، فتم اعتماد الديمقراطية المقيدة ، فالحقوق السياسية ( الانتخاب والترشيح) لا تقرر إلا للنخبة فهي ليست لمن هب ودب . وكي يصار إلى قصر هذه الحقوق على عدد محدود ، تم اعتماد معايير يجب أن تتوافر في الناخب أو المرشح مثل الملاءة المالية أو القدرة الثقافية وبذلك يخرج عن دائرة المواطنين بالمعنى السياسي عدد مهم من الأفراد . ولكن هذا الحال لم يستمر ، لأن المنطق الذي بني عليه لم يعد مقبولاً ، فتحولت الدول إلى الاقتراع العام فكل مواطن قادر على التعبير عن رأيه هو ناخب مالم يكن ممنوعاً لسبب قانوني . والانتخاب العام هو المساواة في ممارسة الحقوق السياسية بين المواطنين .

 
ب ـ المساواة أمام الأعباء العامة :
وإبراز هذا الموضوع في الأدبيات القانونية القديمة هو رد فعل على نظام الامتيازات والإعفاءات التي كانت تقرر للنبلاء ورجال الدين ، وإلغائها يعني المساواة بين المواطنين فلا يكلف أحد منهم او يعفى إلا كما بقية المواطنين ، وفق أسس موضوعية .

ج ـ المساواة في تولي الوظائف العامة :

وإذا كان الهاجس المبرر للتركيز على هذه الصورة من صور المساواة هو مواجهة واقع التفضيل بناءً على اعتبارات الأصل ، فإن التركيز على هذه الصورة من صور المساواة قائم اليوم لمواجهة واقع التمييز على أساس الجنس ، ونجد أن هذا الموضوع لا تعرض له فقط النصوص الدستورية ( م 29 من الدستور الكويتي ) ولكن الوثائق الدولية مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ( فقرة ج من المادة 25) وقد صدقت الكويت على هذا العهد بالقانون 12/1886) دون أن تحتفظ على الحكم المشار إليه . ومع ذلك فإننا نجد أن وزن التقاليد والإرث الثقافي مؤثراً حتى على صياغة التشريعات فتجد تعبير رجال الجيش أو رجال الشرطة أو رجال القضاء واردا في عدد من القوانين التي تنظم المهن المشار لها، ومع ذلك فإن قانون القضاء ( م 19) لم يورد شرط الذكورة من ضمن الشروط الواجب توافرها في القاضي . وعندما نقرر بعدم جواز التمييز في تولي الوظائف العامة ، فإن ذلك لا يمنع جهة العمل من رفض قبول المرشح الذي ترى عدم توافر الشروط الموضوعية فيه واللازمة لأداء العمل بشكل جيد . ونحن نعتقد بأن موضوع تولي المرأة للقضاء يدخل في الإطار السابق بما معناه أن الاستبعاد على أساس الجنس مخالف للدستور أما الاستبعاد لأن جهة القبول ترى عدم صلاحية المرشح فهو بطبيعة الحال جائز ، وكل ذلك تحت رقابة القضاء .

ونلاحظ بأن الدستور الكويتي قد قرر مبدأ المساواة أمام القانون في الباب الثالث وهو قد قرر شكلاً آخر من المساواة وهي المساواة بالقانون ونجد عناصر ذلك في الباب الثاني من الدستور .

 
2 ـ المساواة بالقانون : عندما تم تقرير مبدأ المساواة أمام القانون ، كان هذا التقرير يستجيب للمشكلة الأبرز آنذاك ، ففي الواقع لم يكن الأفراد متساوون من الناحية القانونية لأن مراكزهم القانونية تحددها عناصر خارجة عن إرادتهم ، ولكن بعد تقرير المبدأ اكتشف الكثير مهم أن هذا التقرير غير كافٍ , نعم هم متساوون في حق تولي الوظائف العامة أو حق التعبير عن الرأي . ولكن من لم ينل الفرصة للتعليم أو من يعاني من أمراض سوء التغذية سوف لن يستفيد من مكنة المساواة ، ولذلك ظهر مطلب جديد وهو توفير سبل المساواة الفعلية كتوفير فرصة التعليم والرعاية الصحية وهذا " الأساس " الذي ينطلق منه الأفراد يسمح بعد ذلك بتنافسهم وفق قدراتهم الشخصية . ونلاحظ أن دور الدولة في هذه المرحلة مختلف عن دورها في المرحلة السابقة ففي المرحلة الأولى الوصول إلى المساواة القانونية يقتضي عدم تدخلها بالتميز، أما بالنسبة للمساواة بالقانون فالمطلوب منها أن تتدخل لتوفير " سبيل " المساواة . وفرق أخر نجده بين نوعي المساواة فالمساواة أمام القانون يستفبد منها بحسب الاصل كل انسان مادام مركزه القانوني متماثل مع الآخرين ، فالحق في الكرامة الإنسانية أو حرمة المسكن أو الحق في التقاضي مكفول لكل إنسان سواء كان مواطناً أم غير مواطن ، فحرمة مسكن غير المواطن مساوية لحرمة مسكن المواطن وحق التقاضي يستوي فيه المواطن غير المواطن وكذلك الكرامة الإنسانية . أما المساواة بالقانون فهي تقتضي بذلاً مادياً من قبل الدولة ولذلك فمن المقبول أن تكون الأولوية للمواطنين متى ما عجزت الدولة عن القيام به بالنسبة لغير المواطنين ، ولكن ذلك لا يمنع الدولة من تقريره لغير المواطنين متى ما سمحت قدراتها بذلك . والعرض السابق في موضوع المساواة يقود بنا إلى تقرير عدد من النتائج في موضوع علاقة المساواة بالمواطنة :

ـ أن تقرير مبدأ المساواة أمام القانون وبالقانون من المفترض أنه يحقق للمواطن حاجاته وبالتالي لا يلجئ للأطر المجاورة للانتماء الوطني .

 
ـ المساواة بالقانون تقود الى ربط المواطن مصلحيا بالدولة وهو يقود بدوره ـ منطقياً ـ إلي تقوية مشاعر الارتباط بالدولة ، أي بالمواطنة لأنها هي العنوان الذي يرتبط بالدولة

ـ الديمقراطية إلى جوار كونها وسيلة المواطنين في تسيير أمورهم هي أيضاً من عناوين المساواة بين المواطنين ، لأن أساس ممارستها هو فقط المواطنة ، ولذلك فإنه ـ من المفترض ـ أن يكون لها دور مزدوج في تقوية علاقة المواطن بالدولة وتقوية علاقة الدولة بالمواطن .

بعد عرض الموضوع من خلال الأطر المجاورة للمواطنة ومبدأ المساواة نستطيع أن نقرر أن

ـ القانون الكويتي ينظر للمواطنة كعلاقة قانونية وكعلاقة انتماء ودون البعدين لا يمكن للمواطنة أن تمثل دورها في إطار الدولة .

ـ بحسب الأصل لا تتشكل الأطر المجاورة للمواطنة تعارضاَ معها بل هي حقوق مكفولة للأفراد ، فإن اظهر الواقع تعارضاً فإن ذلك يعني أن هذه الأطر تجاوزت دورها ويعني أن الدولة لم تقم بدورها .

ـ المساواة كما قررها القانون وسيلة مهمة لتقوية رابطة المواطنة ، وكي تأتي المساواة بنتائجها يجب أولاً تفعيلها

ـ الديمقراطية كعنصر من عناصر المواطنة وكأثر من آثار المساواة ، مربوط ممارستها في إطار الدولة بالمواطنة المجردة ، وأي برنامج سياسي يظل مقبولاً في حدود كونه قابلاً أن يضم أي مواطن ، فإذا بني المشروع السياسي على أسس لا تقبل بطبيعتها إلا بعض المواطنين فهو مخالف للدستور .

ـ أن المواطنة كقيمة ، واحدة من أسس الدولة ، وإذا كان اللجوء إلى الأطر المجاورة من الممكن أن يشكل هامشاً من المناورة للحكم ، ويحقق من هذه الزاوية مكاسباً على المدى القصير ، فإن ذلك يشكل بالتأكيد أضعافاً للدولة على المدى المتوسط والبعيد ، وهذا ليس في مصلحة أي نظام حاكم .

ـ المواطنة كانتماء هي بالتأكيد مشاعر ناحية الوطن وهذه المشاعر من الممكن تقويتها ومن الممكن إضعافها ، ومن مصلحة الدولة كما من مصلحة مؤسسات المجتمع المدني تقوية هذه المشاعر لأن البديل عن المواطنة من أطر ، أن تم تقديمه ، يقود بلا شك إلى خلل بالسلام الاجتماعي، لأن كل جماعة سوف تدخل في صراع مع الأخرى مستندة إلى خصوصيتها التي لا يشترك فيها بقية المواطنين ، أما المواطنة فهي الخصوصية التي تجمع كل الأطراف .

 
ـ غياب الأهداف التي تجمع المواطنين وعدم وجود مشروع مشترك ، يسمح للأطر البديلة بتقديم قضايا للجدل والخلاف ، ولذلك فإن من الحلول المهمة وجود مشروع مشترك يجتمع حوله المواطنون .

ـ في الكويت ، كما بقية دول العالم الثالث ، الدولة مؤسسة حديثة مقارنة بالقبيلة أو التجمع الديني ولذلك هي غضة في النفوس ، بنأ على ذلك فإنه من المشروع أن تكون لحماية قيمها ـ وهي أساس المواطنة ـ أولوية بالغة الأهمية

الدكتور/ محمد الفيلي

No comments: