Thursday, March 10, 2011

تشبهوا بابن حنبل


تولى آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد زمام الأمور والشمس غاربة عن خلافة ابتلعتها رمال العصبيات المتحركة، فكانت معاول الحفر في أساسات الأمويين قد بدأت بفكرة «الخروج على الحاكم» دون خوف من فتاوى تحريم نقض البيعة لأمير المؤمنين، تلك الفكرة لم تصدر من أشخاص عاديين، بل جاءت من بيت العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من محمد بن علي بن عبدالله بن العباس الذي اختار بذكاء شديد أرض خراسان لنشر دعوته السرية لنقمة أهلها على الأمويين الذين عاملوهم كالعبيد رغم إسلامهم
محمد بن علي أسس تنظيماً سرياً في فترة الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وقسمه بين الكوفة وخراسان، وألبس دعاته هيئة التجار، واختار موسم الحج مكانا للاجتماع، وبعد ثلاثين سنة تقريبا تمكن العباسيون من الظفر بكرسي الخلافة، وكانت الكوفة هي مقرهم أول الأمر قبل بغداد، ومنها أعلن أبو العباس السفاح قيام الدولة الجديدة
إن جوهر هذا المقال ليس درسا في التاريخ إنما طرح أسئلة تبرز من بين ثنايا هذه الأحداث، وأغلبها يتمحور حول الحصانة التي يمكن أن توفرها الفتوى لأي نظام سياسي، أو مدى الإلزامية التي يمكن توقعها من الناس خلافا للواقع الذي يرزحون تحته، لقد كان العصر الأموي أكثر قربا إلى عصر النبوة من زماننا الحالي فلماذا صمت خيرة علماء المسلمين، وهم يرون العباسيين يخلعون خليفتهم ويقتلونه وهم صامتون؟ لماذا تجاهلوا الفظائع التي ارتكبت بالأمراء الأمويين على الجملة؟
ربما البعض يظن أن تلك الفظائع مقتصرة على القتل فقط، ولكن ما حكم نبش قبور خلفاء بني أمية كما فعل عم السفاح عبدالله بن علي، والذي وجد جثة هشام بن عبدالملك صحيحة لم يتحلل منها غير أرنبة أنفه، فأخرجها وضربها بالسياط ثم صلبها وحرقها؟ وما حكم من قتل العزّل بعد تأمينهم، وهذا حصل بعد إعلان عفو شامل عن الأمويين ومن صدقهم قتل بلا رحمة؟
إن الفتاوى كما أفهمها إما تسهيل لصعب وإما تكيف مع أمر جديد، وكلما كانت الفتوى قريبة من الواقع وملامسة لهموم الناس وعقولهم التزم فيها الناس دون خوف وترهيب، وما حصل في التاريخ الإسلامي حتى اليوم هو تحويل هذه الأداة إلى سلاح بيد السلطة أو الخارجين عليها بنفس الأسلوب وبنفس المنطق، وفي هذا العصر تحولت الفتوى إلى وسيلة لكسب الرزق الواسع والتكيف مع مطالب الأنظمة مهما كان الواقع مأساويا
لقد وقف شيخ الإسلام ابن حنبل- رحمه الله- وهو من يضرب فيه المثل بالتمسك الشديد بالنصوص، أمام جور وظلم المأمون والمعتصم والواثق لأنه رفض التسليم برأي المعتزلة بخصوص فتنة خلق القرآن، كان بإمكان ابن حنبل السلفي المتشدد كسب ود المأمون وأمواله وعطاياه، ولأوجد لنفسه المخارج الشرعية كالسمع والطاعة لتبرئة نفسه أمام أتباعه ومريديه، ولكنه انحاز إلى عقله، وانتصر للمبدأ، وترك السياط تلهب جسده النحيل حتى نصره الله في نهاية الأمر بوصول المتوكل الذي تبنى رأيه، وأطلق سراحه، وحاول التقرب منه دون جدوى حتى مات رحمه الله
ختاما أقول لا نريد من تلامذة ابن حنبل اليوم غير التشبه بصلابة أستاذهم وأستاذ كل من يريد قول كلمة الحق، ولو كلفهم ذلك حياتهم


الفقرة الأخيرة: مقال الأستاذ أحمد الصراف عن البوسنة حفزني لنقل رواية مختلفة عن ذلك البلد الجميل الذي زرته قبل ست سنوات

No comments: